أوكامبو يقوم بدور سلاطين ويثير الكراهية بين السودانيين
بدون شروط ستعيد أمريكا مبعوثها إلى السودان
لا نخشى أحداً ولا نتراجع عن مواقفنا
سلام نيفاشا الأعرج أفضل من لا سلام
إلى أين ستمضي الأزمة الناشبة حالياً بين الدولة السودانية بكامل مكوناتها ومحكمة الجنايات الدولية ممثلة في المدعي العام الجنائي لويس مورينو أوكامبو الذي صارت سيرته على كل لسان مرة أخرى أثر طلبه اصدار مذكرة لتوقيف رئيس الجمهورية السودانية المشير عمر البشير.
تتفاوت الاجابات وتتعدد بتعدد الأطراف المعنية بالأزمة فكل ينظر لها بزاويته وبدقة أكثر بزاوية مصلحته ومكاسبه وحتى المصالح والمكاسب فيها ماهو آني مثلما هو حاصل للجماعات المسلحة التي تقاتل الحكومة في دارفور وهذه ترى احضار رأس البشير كفيل بحل الأزمة وإعادة الأمور إلى طبيعتها كما كانت قبل العام 2003 الذي أرخ العالم فيه لدارفور أزمتها.
طرف آخر ينتظر ان تنضج الأزمة جيداً كي يحصل على كامل الغنيمة.
موارد معدنية تشمل البترول واليورانيوم وغيرها من المعادن ولا يتورع في سبيل ذلك بصب مزيد من الزيت على النار المشتعلة ويقود هذا الطرف الثلاثي البريطاني الفرنسي الأمريكي وهؤلاء هم صانعو القرار الأممي 1593 الذي احيلت بموجبه قضية دارفور إلى المحكمة الجنائية الدولية في العام 2005 مطلقون بذلك الشرارة الأولى للأزمة وكيفوا من وقتها ذهن العالم بصورة نمطية حيال ما يجري في دارفور حتى بات اسم هذا الاقليم مرادفاً للبؤس والموت ولكن ماذا عن الطرف الأهم في هذه المسألة والمعني قبل غيره بالتعامل معها ونعني بها الحكومة السودانية فهذه الحكومة التي تشكو بمرارة من تدخل وعبث الآخرين بشؤونها تكاد تفلت الأمور من يديها أحياناً فهي تساق من بلد إلى بلد بحجة انهاء الأزمة وتستجيب لهذا الاغراء أياً كان الوسيط وهو أمر غير مجدي كما يقول إبراهيم يحيى نائب رئيس حركة العدل والمساواة والمنشق عنها حالياً والذي نصح الحكومة بأن ترمي الوساطات والوسطاء وراء ظهرها و(تقعد مع المسلحين في الواطة) فبرأيه ان نظام الإنقاذ الذي أوقف حرباً استمرت في الجنوب عشرين عاماً قادرة على انهاء أزمة دارفور بسنواتها الخمس.
المهم الآن ان أسبوعاً قد مضى على مذكرة أوكامبو تفاعلت خلاله الأحداث بسرعة وبدأ الطرف الأساس المؤتمر الوطني مرتاحاً وواثقاً لمآلات الأحداث وأختار ان يدير الأزمة على غير اعتاده فيه الآخرون فكون لجنة عليا لإدارتها على رأسها النائب الأول لرئيس الجمهورية وفيها مساعدا الرئيس مني أركو مناوي وموسى محمد أحمد وثلاثتهم خصوم سابقون للمؤتمر وحلفاؤه اليوم.
وأمس في الجزء الأول من الحوار قدم الدكتور كمال عبيد أمين الإعلام بالمؤتمر الوطني قراءاته للأحداث فتح فيها نيراناً كثيفة تجاه الإدارة الأمريكية رافضاً في ذات الوقت وصف المرونة التي ابداها حرية مؤخراً بالتفكير المعيب مؤكداً على رشد المؤتمر في تعامله مع القضايا الوطنية.
سألته ونحن نبدأ الجزء الثاني من الحوار عبارة وردت على لسان نائب الرئيس علي عثمان محمد طه في مؤتمره الصحافي حذر فيها من خطورة قرارات المحكمة الجنائية الدولية على اتفاقيات السلام الأربع الموقعة بين المؤتمر وكل من الحركة الشعبية وحركة تحرير السودان وجبهة الشرق والتجمع الوطني وقلت للدكتور كمال هل الوضع أصبح قابلاً للانفجار؟
لا أظن الوضع قابل للانفجار وابني على ماهو واضح.
* وماهو؟
الشعب السوداني لديه قدرة على التعامل مع الأزمات وهذه ثقافة لا يفهمها أوكامبو القادم من الارجنتين وادراك القوى الشعبية السودانية لخطورة هذا الأمر عبرت عنه في حديثي أمام جلسة البرلمان التي انعقد لمناقشة مسألة المحكمة الدولية وقلت ان تقرير أوكامبو الأخير لا يشبهه إلا التقرير الذي رفعه سلاطين باشا عندما هرب من أم درمان والتحق بقوات الدولة الاستعمارية الكبرى آنذاك- بريطانيا- فكتب للبريطانيين تقريراً نشر لاحقاً في كتاب عرف باسم السيف والنار في السودان واستدعى بهذا التقرير جيوش الأمبراطورية البريطانية لغزو واحتلال السودان وهذا ما حدث فضربت هذه الجيوش قبة الامام المهدي بأم درمان وقتلت الخليفة عبد الله وقصفت دارفور بالأسلحة المحرمة دولياً واستشهد السلطان على دينار وهو يتصدى لهؤلاء الغزاة وعلى البعض ألا يعتقد ان السودانيين ينسون تاريخهم وماكتبه سلاطين قبل مائة عام مازال ماثلاً في وعينا ووعي كل سوداني فسلاطين تحدث في تقريره ذاك عن أهل دارفور المسيطرين على السلطة المركزية في أم درمان برئاسة الخليفة عبد الله وانهم كانوا ضد أهل الوسط والشمال وأخذ يثير الكراهية في ذاك الحين والتي كانت فيما بعد سبباً في انفراط عقد الدولة السودانية التي إقامتها المهدية، الأن يعكسون الصورة ويقول أوكامبو في تقريره ان أهل الشمال والوسط الذين يرأس حكومتهم عمر البشير يعملون ضد أهل دارفور في اثارة واضحة للكراهية, واثارة الكراهية ظهرت بوضوح حينما تحدث أوكامبو عن أسماء قبائل بعينها، السودانيون فطنوا لهذا، لذا جاءت أول مظاهرة ضد أوكامبو بعد عشر دقائق من انهاء تقريره وخرجت من مدينة الجنينة بغرب دارفور معقل دار سلطان قبيلة المساليت الذين ورد اسمهم في التقرير لشعورهم بأن الخطر لا يتمثل في مواجهة شخص عمر البشير ولا الحكومة المركزية ولا لعبارات الكراهية التي شحن بها أوكامبو تقاريره ولكنها جاءت أحساساً منهم بالخطر الذي يتهدد الجميع لذلك في تقديري ان النتائج التي يسعى إليها الحالمون من وراء دفع أوكامبو للمضي في هذه المسرحية لن تتحقق وهنا يمكن الاشارة إلى عبارات مفتاحية ينبغي التوقف عندها.
* مثل ماذا؟
اشار أوكامبو في تقريره إلى البشير في سعيه لابادة أهل دارفور لم يكن يحتاج إلى غرف الغاز والرصاص لكنه كان يحتاج إلى التجويع والاغتصاب وعبارة غرف الغاز جاءت ضمن النص الأول ثم سحبت لاحقاً وإذا رجعت إلى الشبكة العنكبوتية لن تجد هذه العبارة ولكنها قيلت وخرجت في النص الأول المكتوب، وحينما يستخدم أوكامبو عبارة غرف الغاز فإنه لا يخاطب أهل دارفور ولا أهل السودان ولا المحكمة الجنائية حتى.
* من يخاطب إذا؟
يخاطب الذين كانوا يتظاهرون خلال السنوات الخمس الماضية باسم منظمة إنقاذ دارفور وهي منظمة صهيونية معروفة يحولها ويحركها اللوبي اليهودي في مختلف بلدان العالم لم يقصد ايقاف تطور الدولة السودانية بغرض تفتيتها حتى لا تشكل خطراً على إسرائيل كما يزعمون لهذا السبب ضرب العراق ويضيق على سوريا وتحاصر فلسطين وتقاطع ابران.
* في كل هذه القضايا اللاعب واحد؟
نعم وهذا يدل على ان الجريمة مرتب لها.
* في هذه الحالة يفترض ان تتعامل مع أصل المشكلة؟ ومن الذي صنع المشكلة؟
في الواجهة أوكامبو وكل هجوم الدولة موجه نحو هذا الرجل ما الذي يمنع مخاطبة الأمريكيين والبريطانيين والفرنسيين الذين استصدروا القرار 1593 مفجر الأزمة الحالية ثم هناك اللوبي اليهودي الذي قلت انه وراء كل ما يحدث؟
وزير الخارجية البريطانية زار السودان قبل يومين من صدور تقرير أوكامبو نحن لم ولن نقفل باب الحوار في وجه أحد صحيح ليست لنا علاقة مع المنظمات اليهودية ومع إسرائيل ولا رغبة لنا في ان تكون لدينا علاقة مع هذه الظاهرة اللا إنسانية المستمرأة اغتصاب الأرض وقتل الآخرين وربما تكون جريمة السودان الكبرى في نظرهم ان السودان لا يتراجع عن مواقفه كما فعل الآخرون، الغريب ان ما من دولة تعاونت مع الأمم المتحدة مثلما تعاون السودان والدول الثلاث التي اشرت إليها في سؤالك لدينا اتصالات معها وحتى إذا شاءت هذه الدول في استخدام علاقاتها مع أطراف أخرى للاضرار بالسودان لن يمنعنا من الاستمرار في الحوار معها فلدينا حججنا ومواقفنا تستحق الاحترام من الآخرين فالباب سيظل مشرعاً من ناحيتنا تجاه الكل.
* تسلسل الأحداث أفضى إلى غير ما تريدون دكتور كمال المسألة بدأت بالقرار 1593 قبل 3 أعوام وانتهت إلى أوكامبو الذي خرج بتقريره المثير للجدل فالأزمة تتصاعد؟
انت سألتني عن أهمية محاورة اللاعبين ثم جئت لتسألني عن جدوى الحوار في تقديري ان مقتضى العمل الحضاري الذي نشأت عليه كل الحضارات بما فيها الإسلامية يستدعي استمرار الحوار مع الآخرين حتى ولو كانوا رافضين له فالصبر عليه أي الحوار لابد ان يسفر يوماً ما عن نتائج ايجابية وقبل سنوات كان البعض يحذرنا من الانخراط في حوار بشأن قضايا السلام تحت رعاية منظمة الايقاد بتوابعها من أصدقاء وشركاء ودخلاء ولكن مضينا إلى آخر الشوط فكانت النتائج التي خرجنا بها من الحوار عبر منبر الايقاد هي الأفضل.
* لكنكم خرجتم بسلام أعرج نيفاشا يبحث إلى الآن عن عصاة يتوكأ عليها؟
سلام أعرج افضل من لا سلام، سلام ناقص أفضل من لا سلام سلام ناقص أفضل من لا حوار علينا ان نقر بالحقيقة، نحن نقف على أرض صلبة وثقتنا في مواقفنا تجعلنا لا نخشى الحوار، الآخرون يخشون الحوار لا نحن، في فترة من الفترات اغلقت أمريكا أبواب الحوار معنا وفتحتها على مصراعيها لكل الحركات المتمردة في السودان لتسمع صوتها للكونغرس الأمريكي وغيرها من المؤسسات ولم تسمح حتى لنا بمخاطبة وسائل الإعلام الأمريكية وهي التي تدعي ليل نهار باستقلالية الإعلام ومع ذلك لم نيأس وتقدمنا خطوة؟
* باتجاه من؟
باتجاه الإدارة الأمريكية هناك حوار مع هذه الإدارة يمكن ان نسميه ناقص مبتور ومعرض للتوقف ولكننا ماضون فيه للنهاية.
* الأمريكان سحبوا مبعوثهم للسودان ريتشارد ويليامسون؟
هم يفكرون في إعادته باشتراطات ولدينا ما نقوله لهم وسيجد قولنا التأييد من الآخرين، فالأولوية عندنا لحل أية قضية هي اللجوء إلى الحوار وناتسويس المبعوث الأمريكي السابق إلى السودان في أول رد فعل له عقب تسريبات تقرير أوكامبو قال التعامل بالضغوط مع السودان لن يكون مجدياً وسيكون خصماً على ما تحقق من سلام وهو الموقف الذي يؤيده الرئيس الأمريكي جورج بوش وأنا اعتبر ان اقرار البعض بهذه الحقيقة انتصار للحكومة السودانية قبل ان يكون انتصاراً للآخرين.
* أنت الآن أمين الإعلام بالمؤتمر الوطني ووزير الدولة بوزارة الإعلام هناك من يتهم الحكومة السودانية بضعف أدائها الإعلامي في قضية دارفور وهو ما قاد إلى التشكيك الدولي في صدقية الأجهزة العدلية السودانية هل تتفق مع هذا الرأي.
لا ولسبب بسيط فإذا قرأت تقرير أوكامبو بالتفصيل ستجد ان أجهزة الإعلام كانت واحدة من الجهات التي وجه إليها الاتهام وأشار إلى أنها تنقل معلومات غير صحيحة عن دارفور وتريد ان تشيع حديثاً عن تنمية واستقرار وانه لا تأثير للحرب على مناطق واسعة.
* لكن هناك قانوني كبير محسوب على المؤتمر الوطني يقول ان الأداء الإعلامي للحكومة عاجز عن مجاراة تسارع الادانة من قبل المجتمع الدولي؟
غير صحيح وإلا لماذا يريد أوكامبو ان ينقل الإعلام السوداني الصورة التي يريدها هو كمدعي عام، معنى ذلك ان الإعلام يتعامل مع الحقائق على أرض دارفور وليس الإعلام من فعل ذلك هناك عشرات الوفود زارت وستزور دارفور من مختلف أرجاء العالم تقف على الحقائق وتقول بخلاف ما يدعيه أوكامبو حتى بعثة تقصي الحقائق التي زارت دارفور لم تسم ما يحدث في دارفور ابادة جماعية فالواضح ان أوكامبو يريد ان تصمت أجهزة الإعلام المحلية والعالمية لتبث الأكاذيب التي يقولها عن السودان، ولم يكتف أوكامبو بتجريم أجهزة الإعلام بل تحدث عن الدبلوماسية السودانية حتى يوقف النجاح الذي حققته في محاصرة محاولاته لعزل السودان وتعرض بالاساءة للقضاء السوداني لأن واحدة من الأسباب المفضية لتدخل محكمة الجنايات الدولية ألا يكون القضاء المحلي غير قادر أو غير راغب في القيام بوظائفه وهو يعلم بقدرة ورغبة القضاء السوداني في الاضطلاع بوظائفه وقد فعل ذلك كما ينبغي لذا تحدث أوكامبو عن كل أجهزة الدولة وهو ما فطنت إليه القوى السياسية والشعب السوداني بأن المستهدف ليس شخص الرئيس البشير وانما نظام الدولة السودانية الحديثة بأجهزتها العدلية والأمنية والإعلامية والدبلوماسية والتنفيذية فكانت ردة الفعل الوطنية والدولية الرافضة لما يقوم به أوكامبو حتى لا تكون بداية لتفكيك بلدان العالم في إطار ما يدعونه بالفوضى الخلاقة التي يمثل أوكامبو أحد أدواتها.
* أتستدعي عقلية المؤامرة؟
المؤامرة اصبحت واضحة جداً، أنظر مثلاً إلى ما حدث من اغتيالات في لبنان في السنوات الأخيرة كثير من التقارير تقول ان الكيفية التي تمت بها لا تشبه قدرة أجهزة الاستخبارات أو المجموعات التي ينسب إليها الاتهام لكنها تدل على احترافية عالية جداً واصبح هاجس الجميع هو البحث عمن يملك هذه القدرات ويريد خلق التصدعات في العالم ليكون هذا العالم أقل سلماً، هذا ما يريده أوكامبو أداة الأمبريالية الجديدة التي تريد بتقاريره اسكات أجهزة الإعلام حتى تشير إلى الحقائق الواضحة وتسأل السؤال المباشر أيهما أولى بالمحاكمة بتهم جرائم الحرب الرئيس عمر البشير الذي ساعد على ايقاف أطول حرب في افريقيا أم الأمريكي جورج بوش الذي اشعل في سنوات قلائل حروباً في عدد من البلدان كان من نتيجتها موت الملايين من البشر.[/ALIGN]