[ALIGN=JUSTIFY]** السودان وعد بأن يحول دارفور إلي مقبرة .. أوهكذا كانت أبرزت التايمز البريطانية خبرها الأول في اليوم التالي لقرار المدعي العام أوكامبو .. السودان لم يعد بذلك ، والعالم شاهد على ذلك ..حيث لم يتحدث النائب الأول لرئيس الجمهورية حديثا كهذا في مجلس الوزراء ، وكذلك لم يلمح نائب الرئيس بوعد كهذا في مؤتمره الصحافي ، ولم يخاطب مساعد الرئيس بوعد هكذا مجندي الخدمة الوطنية ، ثم وعد السودان بحرق دارفور لم يجر على لسان وزير بمجلس وزراء السودان ولا على لسان نائب ببرلمان السودان .. كلهم تحدثوا يوم الإثنين الفائت ، حديث بعضهم كان سياسيا ، وحديث البعض الآخر كان قانونيا ، ولكن لم يعلن أحدهم الحرب ثم الوعد بحرق دارفور ، بل بالإجماع أكدوا أهمية المضي قدما تجاه دارفور بالسلام والتنمية ، باعتبار أن هذا وهذه هما المخرج من كل أزمات البلد .. ومع ذلك لم تجد التايمز – أوسع الصحف انتشارا وأقواهن تأثيرا في ذاك المجتمع الغربي – غير « السودان يعد بتحويل دارفور الي مقبرة » .. وهو حديث – كما قلت – لم يتحدث به كل الذين تحدثوا باسم حكومة السودان يوم قرار المدعي العام .. فقط التقطته التايمز من فم أحد غمار الساسة في شمال دارفور ، لم تذكر الصحيفة اسمه ولا منصبه ، قد يكون معتمدا أو ما دون ذلك ، أو رئيسا للجنة شعبية أو ما دون ذلك ، فالمهم هو من غمار الساسة ، وكما تعلمون مثلما في الناس غمار كذلك في الساسة غمار .. غمار الناس لايضرون الناس والبلد ، ولكن غمار الساسة هم أس بلاء الناس والبلد ..والتايمز غضت طرفها يومئذ عن أحاديث النائب الأول والنائب وكل الوزراء وزعماء القوى السياسية ، ولكنها – مع سبق الإصرار والترصد – نقلت وأبرزت حديث ذاك المغمور بالفاشر ، رغم علمها بان المغمور هذا بالكاد يمثل نفسه بذاك الوعد المشين والذي يصب المزيد من زيت المؤامرة الأجنبية على نار الأزمة السودانية .. التايمز تجاهلت أحاديث كل الذين يمثلون الرأي الرسمي والذي كان عقلانيا وموضوعيا ، وتعمدت بث حديث أحد غمار الساسة في عقول المجتمع الغربي ، وهو مجتمع عقله يصدق أى حديث ، حتى ولو كان المتحدث به دون « مستوى الحدث » .. !!
** التايمز لم تخطئ بنقل ذاك الوعد الكذوب ، فهي تعي ماتفعل ، وتؤدي واجبا يكلفها به النظام العالمي الجديد ، واجب صب الزيت على النار بمخاطبة المجتمع الغربي بحديث فحواه بأن الحرب ستتواصل بكل محارقها في دارفور ، ويجب عليك – أيها الغرب – المزيد من التدخل والتعمق بكل الوسائل المشروعة منها وغير المشروعة ، أو هكذا لسان حال تلك الصحيفة في ذاك اليوم « بالذات » .. وهى تعي ماتفعل ، ولكن الذي لم ولن ولا يعي مايقول ويفعل هو ذاك المتحدث الذي تحدث على هواه بما يهواه ولاتهواه البلاد والعباد والحكومة .. ومثله كثر .. يتحدثون بلا وعي ، فتتخطف صحف الغرب ووكالاته وفضائياته أحاديثهم التي تشبع بها عقل المجتمع هناك وقلبه ، ثم تصبح ذات الأحاديث فيما بعد وثائق اتهام وإدانة يدفع ثمنها السودان شعبا وحكومة ومعارضة .. ولا شئ يجبرهم على مثل تلك الأحاديث الشتراء غير حبهم للظهور – والشلاقة – ثم عشقهم للثرثرة غير المثمرة التي لاتفيد البلد والشعب والحكومة ، بل تجلب لهذا وذاك وتلك المزيد من الهم والغم والمتاعب .. وما لم يعد خافيا منذ أحداث الحادى عشر من سبتمر ومرورا بغزو العراق والصومال ودك أفغانستان وحتى يوم التحديق في سوريا وإيران والسودان ، مالم يعد خافيا – لذوي البصائر – فى كل هذا المسلسل المتواصل هو أن الإعلام الغربي هو القائد الأعلى لجيش النظام العالمي الجديد ، وهو الذي يمهد الطريق لجيوش وأنظمة الغرب ، وكذلك هو الذي يرسخ في عقل الشعوب هناك بأن جيوشها وأنظمتها سلكت جادة الطريق وليست خطى الاستعمار .. وأمام إعلام كهذا ، في ظرف كهذا ، يجب على كل متحدث باسم البلد والناس ، واليا كان أو مواليا أو معارضا ، عليه أن يتحدث بوعي عميق ومسؤولية وطنية ، وليس من الوعي بأن يفتح المرء فمه ليخرج منه الكلام لا إراديا .. وعليه ، من لايستأنس في حديثه الوعي والمسؤولية ، فليتكئ على جدار الصمت .. أليس في صمت من لايتقن المنطق والوعي خير كل البلاد ، شعبا وحكومة ومعارضة …؟؟
إليكم – الصحافة -الخميس 17/7/ 2008م،العدد5416
tahersati@hotmail.com [/ALIGN]