اكتشف باحثون بمعاهد الصحة القومية (الأميركية) خطوتين لم تكونا معروفتين سابقا في مسار أو دورة انتشار الطفيل المسبب لحمى الملاريا من خلال الدورة الدموية.
وبحسب بيان تلقته الجزيرة نت من معاهد الصحة القومية تمكن الباحثون من التدخل لتعطيل إحدى هاتين الخطوتين في تجربة باستخدام مزرعة مخبرية لطفيل الملاريا، مما يفتح آفاقا وإمكانات لتطوير عقاقير جديدة لمكافحة هذا المرض.
وكانت العدوى بحمى الملاريا تسببت في العام 2008 وحده في وفاة ما لا يقل عن مليون شخص بمختلف أنحاء العالم.
وحمى الملاريا تسببها العدوى بطفيل وحيد الخلية، وهو ينتقل إلى البشر عن طريقة لدغة بعوضة مصابة بالعدوى أيضا. يقوم الطفيل بعدوى خلايا (كريات) الدم الحمراء ويتكاثر داخلها. وعندما تنفجر الخلايا المصابة بالعدوى تنتشر الطفيلات الجديدة بحيث تصيب المزيد من كريات الدم الحمراء بعدواها.
خلايا منجلية
وركز الباحثون في دراستهم المنشورة إلكترونيا بدورية “البيولوجيا الراهنة”، على كيفية انفلات الطفيليات الجديدة من خلايا الدم المصابة.
واكتشفوا أيضا أن بإمكانهم في الواقع ختم أو تغليف غشاء الخلية المصابة بمركب ينشط على سطحها، مما يعطل إطلاق خروج الطفيليات منها.
ولإجراء الدراسة، فحص الباحثون خلايا الدم الحمراء لمتطوعين مصابين بفقر الدم المنجلي (مرض وراثي يسببه طفرة جينية أو تحور لأحد الجينات)، مما تنتج هيموغلوبينا شاذا، وتتخذ خلايا الدم الحمراء شكل المنجل، وتصبح قاسية ولزجة، وتخثر وتعرقل تدفق الدم بالأوعية مسببة ألما وتلفا عضويا.
ينتشر هذا التحور الجيني بأجزاء من العالم تشيع فيها الملاريا أيضا. ورغم وجود نسختين من الجين المتحور والمسبب لفقر الدم المنجلي، فإن وجود نسخة واحدة منه يضفي على المريض مقاومة للملاريا.
عملية مركبة
وفي خلايا الدم الحمراء الطبيعية، يحدث تمزق وانفجار للخلايا المصابة وانفلات الطفيليات منها بشكل لحظي تقريبا، بحيث يصعب جدا مراقبة ذلك. لكن الباحثين وجدوا أن هذه العملية في حالة الخلايا المنجلية تحدث ببطء يتيح لهم مراقبتها.
وبمتابعة تطور العدوى بالملاريا في خلايا الدم المنجلية المصابة، استطاع الباحثون توثيق مراحل عملية انفجار الخلية وخروج الطفيليات منها، والتي لم ترصد سابقا.
وجد الباحثون أن طفيل الملاريا يُستنسخ داخل كيس بخلية الدم الحمراء المصابة. وخلال يومين، تتكاثر الطفيليات وتملأ الكيس حتى تنفجر الطفيليات الجديدة خارجة من الخلية المضيفة (المصابة).
يعتقد كثير من الباحثين أن ضغط الطفيليات النامية داخل الكيس يتزايد حتى تنفجر الخلية. لكن لدى رصدهم للخلايا المنجلية المصابة اكتشف الباحثون عملية أكثر تعقيدا.
فقبل تمزق الخلية بعدة دقائق، تضخم الكيس الممتلئ بالطفيليات داخل الخلية وانكمش باقي الخلية. وقبل انفجار الخلية أيضا بثوان، أصبح غشاء الخلية مساميا، مثل كيس بلاستيك مثقوب.
ويضيف الباحثون أنه لم يكن انفجارا بسيطا كما قد يظن البعض، بل يبدو أنه كفن الباليه: عملية مصممة ومنظمة ومقننة بشكل رائع.
وكان الباحثون قد اكتشفوا أن مادة مغلفة تسمى بول وكسامين منعت الخلايا من التمزق والانفجار المؤدي لانطلاق الطفيليات منها، ويخططون لدراسة أوسع لتأثيرات بول وكسامين والمركبات المماثلة على عملية الانفجار، آملين في تطوير علاج جديد للملاريا.
ويرى الباحثون في كل خطوة من هذه العملية فرصة للتدخل (العلاجي) وتعطيل العدوى بالمرض من المضي قدما نحو الإصابة الكاملة. لذلك فإن التعرّف على مراحل جديدة في انطلاق الطفيليات من الخلايا المصابة يقدم آفاقا جديدة باتجاه البحث عن العقاقير المضادة للملاريا.
الجزيرة نت