ما أعرفه عن البروفيسور الأمين أنه باحث ومدقق من الطراز الأول فى مجال اللغويات واللغات والثقافات السودانية والأفريقية، وتشهد له دور النشر والبحوث الوفيرة التى خلفها فى مختلف بقاع الدنيا فى هذا المجال بقدرته العلمية الرصينة فى هذا المجال وكل مما له صلة به، هذا إضافة إلى الوشائج الوثيقة التي تربطه بمجتمع شمال نيجيريا وعمله لمدة أربع سنوات بإحدى جامعاتها. فكل هذا يؤهله أن يكون فى مقدمة من يكتبون بموضوعية في محاولة منه لتصحيح مفاهيمنا الخاطئة عن المجتمع النيجيري، بما يخدم العلاقة التاريخية القائمة بين البلدين (السودان ونيجيريا).
أطلعت ضمن عامة الناس على الموضوع الأكاديمي الذى نشره البروفيسور أبومنقة بجريدة «الرأي العام» حول ما لا يعرفه السودانيون عن السيناتور الدكتور علي مدو شريف، حاكم ولاية برنو بنيجيريا. فقد لاحظت من خلال بعض التعليقات التي وردت في موقع الجريدة على الشبكة العنكبونية تجنياً واضحاً على شخص البروفيسور وسخرية لا تخلو من تهكم لم أرضه لأستاذ عرفت فيه الموضوعية والحكم الموضوعي على الأشياء دون التحيز لغرض يصب فى مصلحته الشخصية. فقمت حينها بمراجعة التعليقات المختلفة للقراء فى النسخة الالكترونية وبعض من التقيت بهم والتعليق على هذا الموضوع الذى يمس بشكل مباشر بعض الأعراض، ويشكك فى بعض المسائل التى تحتاج لاستقصاء محكم وحكم أكيد.
ربما شاهد الكثيرون بعض اللقطات على اليوتيوب تظهر هذا الشريف يغدق المال على الفنانة ندى القلعة بصورة لا يمكن تفسيرها إلا فى إطار محتواها الثقافي الذى حدثت فيه، وما أود ذكره هنا أن عنوان المقال لم يقل أن الشريف منزه عن النقائص وصفات البشر الأخرى، وإنما حاول أن يسلط بعض الضوء على بعض خصائصه التى لا يعرفها الكثيرون، خاصة وان تناوله فى بعض الصحف اليومية وبصورة مستفزة أصبح يتناول جانباً معينا يعمل على تشويه صورة الرجل بصورة لا تخلو من الغرض فى تصفية بعض الحسابات مع فنانين بعينهم. ولا يصح أن يصمت ممن لديهم معلومات يمكن أن توضح بعض الغموض الذى يشوب هذه المسألة التى أعتقد أنها استغلت بصورة مخلة للذوق العام، إذ لا يعقل تصفية بعض الحسابات فى الصحف السيارة وفى أعراض حرم الشرع الخوض فيها إلا ببينة، ولكن ما دامت ممارسة النساء للغناء متاحة ومباحة فى المجتمع السوداني، يبقى للحديث بقية.
ذكر المقال أن الشريف يقوم بتقديم كثير من الخدمات بحكم منصبه، وأنه تولى أكثر من مرة رئاسة الإقليم الذى يحكمه، وأن المجتمع النيجيري يقوم بإغداق العطايا للشعراء والفنانين كما كان يحدث فى عهد خلفاء الدولة الإسلامية فى قمة إزدهارها، فكان يوزن كلام الشاعر ذهباً، ويغدق عليه بالمال الوفير، وذلك دون الإحساس بأن هذا المال أهدر ترفاً وتقليلاً من شأن المال، وإنما تأتى الفكرة من تشجيع المبدعين من ناحية، والإشارة للقيمة الاجتماعية والمركز المالي للشخص الواهب من ناحية أخرى. بالطبع هذه معلومات مهمة جداً لفهم الواقعة فى هذا المحتوى الاجتماعي، وأن أي تفسير لإغداق رجل على امرأة مالاً يضع هذه المرأة مباشرة فى دائرة الشك والخيانة، ولكن بهذه الإفادات الأكاديمية تأطر الموقف، ويمكن أن يفهم من خلاله أن المال فى تلك المجتمعات لا يعطى للنساء فقط، وإنما الرجال أيضا يعطون المال والمنازل والهدايا العينية الأخرى. والذى يذهب لتلك المجتمعات ويخالطها يجد العجب العجاب، ولكننا لا يعقل أن نفسر هذه القضايا والتصرفات بمعايير اجتماعية أخرى كتلك الممارسة فى المجتمع السوداني.
وهنالك شئ آخر لم يقله الكاتب، وهو أنه ليس لديه مصلحة هنا أو هنالك، ولا يحتاج عالم بقامة أبومنقة أن يغدق عليه الشريف بعض المال لأنه ذكر حقائق موضوعية حدسية تحدث بشكل عفوي فى المجتمع النيجيري. فهو لم يأت بأشياء فيها من المدح ما فيها، فهى حقائق توضيحية يمكن ألا تعنى شيئا لشخص يعيش فى نيجيريا لأنه يعيشها ويمارسها. لذلك لا أتصور أن شريف برنو سيغدق المال على البروفيسور بذكره هذه الحقائق، لأنها ببساطه كتوجيهك لشخص ذاهباً لميدان أبو جنزير قادما من أم درمان، ولا يعرف أى المواصلات يأخذ، فعندما تقول له أفعل كذا وكذا، فأنت كمن قام بذكر حقائق لا تعنى شيئا لمعظم القاطنين فى أمدرمان ويذهبون يومياً لميدان أبو جنزير، ولكنها بالتأكيد تعنى الكثير لمن لا يعرف.
وخاطرة أخيرة وردت فى ذهنى هو عدم شكر ممن يقدمون لنا بعض المعلومات التى حصلوا عليها بالسهر والسفر والتعب المستمر. فأنا من هذا المقام أتقدم بوافر الشكر والتقدير للمعلومات القيمة التى قدمها البروفيسور الأمين أبومنقة فى هذا المقال، فنرجو أن تستمر كتاباته حول مختلف المواضيع، لأن الطرح الأكاديمي يشجع على استفزاز الأفكار الأصيلة، والبعد عن الحديث فى مواضيع جانبية لا تسمن أوتغنى.
د. عبد الباقي دفع الله أحمد
صحيفة الراي العام
أستاذ مشارك ـ قسم علم النفس، كلية الآداب، جامعة الخرطوم