فى حجية بينات أوكامبو إمكانية المناهضة القانونية

[ALIGN=JUSTIFY]فى ديسمبر 2006م اجريت حوارا لهذه الصحيفة مع مدير ادارة القانون الدولى و المعاهدات بوزارة الخارجية – وقتها- ، السفير سراج الدين حامد ، و كان الرجل عائدا لتوه من اجتماعات جمعية الدول الاطراف فى اتفاقية روما المؤسسة للمحكمة الجنائية الدولية ، بعد ان رأس وفد السودان المشارك بصفة مراقب فى الاجتماعات، و القى خطاب السودان . رسم السفير سراج الدين حامد منذ ذلك الوقت خطة الحكومة لمناهضة حجية المحكمة الجنائية الدولية وولايتها على الوضع فى دارفور ، وذلك عبر مسارين قانوني و سياسي .
و تقوم الدفوعات القانونية التى اشار اليها سراج الدين حامد على المناهضة من داخل فضاء نظام روما حول ضعف البينات التى استند عليها المدعى العام الدولى فى توجيهه للاتهامات ضد المسؤولين فى الحكومة السودانية، لانه اعتمد فيها على تقارير من منظمات الاغاثة و وكالات الامم المتحدة، وما كتب على الانترنت، و شهادات من شهود يعدون من الخصوم السياسيين للحكومة السودانية و رأى ان هذه البينات قابلة للدحض وفقا لقوانين الاثبات .
و كان حديث سراج هذا قبل اعلان اوكامبو لاسمي الوزير احمد هارون و علي كوشيب العام الماضى ، و بالفعل ذكر المدعى فى سياق صحيفة الاتهام التى تقدم بها لقضاة المحكمة ان بيناته فى ال51 تهمة التى وجهها ضد الرجلين اعتمدت على المصادر الآنفة الذكر الى جانب صور و وثائق تخص الحكومة السودانية و شهود عيان ، و جاء المدعى العام ليؤسس اتهاماته التى لم يبت فيها قضاة المحكمة بعد ضد الرئيس البشير على ذات المصادر .
سراج الدين اشار الى نقطة رأى انها ستضعف من حجية بينات اوكامبو، وهى ان تحقيقات مكتبه لم تتم على مسرح الجريمة المفترض وهو اقليم دارفور، و ان ذلك من زاوية القانون يعد ضعفا كبيرا يقدح فى قوة الادلة المقدمة . و كان المدعى العام قد ذكر فى عدد من تقاريره امام مجلس الامن و كذلك فى مذكرته القانونية التى رفعها للقضاة اخيرا طلبا لتوجيه الاتهام للرئيس البشير، ان نطاق التحقيق شمل 18 بلدا ،و ان مكتبه سير 105 بعثات الى هذه البلدان لجمع المعلومات فى القضايا مدار التحقيق ، و كان قد ذكر ايضا ان خمسا من المهام الى السودان، و لكن ايا من تلك المهام لم تذهب الى دارفور بسبب تعقيدات الوضع الامنى هناك . لكن اوكامبو اوضح ان من بين المعلومات التى بنى عليها حيثياته تقريرى لجنتى التحقيق الدولية برئاسة القاضى الايطالى انطونيو كاسيسى و الوطنية برئاسة مولانا دفع الله الحاج يوسف ، و ان كلا اللجنتين كانتا قد زارتا اقليم دارفور و خرجتا بأن انتهاكات جسيمة ارتكبت هناك من كلا طرفى النزاع «الحكومة و الحركات المسلحة» ترقى لمستوى جرائم حرب و جرائم ضد الانسانية . اوكامبو كان قد ذكر لدى بدء مكتبه التحقيقات حول الوضع فى دارفور، ان مكتبه غير مقيد بالنتائج التى توصلت اليها لجنة التحقيق الدولية و انه قرر ابتدار تحقيق منفصل .
كلا لجنتى التحقيق الوطنية و الدولية لم تقل ان اطراف النزاع فى دارفور ارتكبوا جريمة الابادة الجماعية «التطهير العرقى»، وهو ما كانت تسوق له بقوة الادارة الاميركية على اعلى مستوى مسؤوليها ، و كان نفي اللجنة الدولية لهذا محل انتقاد من مسؤوليها ، حيث ظلوا يصفون ما يجرى فى دارفور بأنه «ابادة جماعية» فى اشارة لعدم قناعتهم بما انتهت عليه اللجنة الدولية، التى كانت ذكرت فى تقريرها انها وجدت على الارض من الاركان المادية ما يشير الى ان ابادة جماعية قد ارتكبت، و لكنها لم تتوفر على الركن المعنوى المكمل فى تحديد القصد الجنائى و بالتالى فانها تترك ذلك لمحكمة متخصصة لاثبات ما اذا كانت هناك ابادة جماعية قد ارتكبت ام لا ، و هو ما جاء اوكامبو ليقول به فى حيثيات اتهامه للرئيس البشير التى لم يفصل فيها القضاة بعد .
لكن المهام الخمس التى قام بها مكتب المدعى العام الدولى الى الخرطوم مكنته من الحصول على معلومات مهمة بنى عليها صحيفة اتهامه ، فقد كان ذكر فى احد تقاريره لمجلس الامن انه وفى اطار تعاون الحكومة مع مكتبه تحصل على تقرير مفصل من وزارة الدفاع عن تحركات القوات المسلحة فى اقليم دارفور ابان الفترة الزمنية التى دارت فيها وقائع الحرب، و اوكل له مجلس الامن التحقيق فى ملابساتها ، و كذلك حول الهيكلية الخاصة بالجيش و تسلسل المسؤوليه فيه و طريقة اتخاذ القرارات و صدور الاوامر فيه ، فضلا عن تقرير مفصل عن النظام العدلى و القضائى فى البلاد، الى جانب تقرير لجنة تقصى الحقائق الوطنية برئاسة مولانا دفع الحاج يوسف و ادوات قدمتها اللجنة ، اضافة الى افادات شفاهية ادلى بها اشخاص على علم بأنشطة المسؤولين فى الحكومة السودانية و افادات من مسؤولين فى الحكومة، فضلا عن وثائق و معلومات اخرى قدمتها الحكومة السودانية نفسها ، و مقابلات مسجلة لمسؤولين سودانيين .
المدعى العام ذكر ان مكتبه استمع الى شهود عيان و ضحايا الانتهاكات فى دارفور ، و بالطبع سيكون من بين هذه الشهادات افادات من موظفى المنظمات العاملة فى دارفور او فى مخيمات اللاجئين فى تشاد ، و اذا كانت هذه الافادات و الشهادات الشفاهية للضحايا يمكن دحضها على انها من خصوم سياسيين كما يقول سراج الدين « شهادتهم مجروحة لأن جملة الإفادات التي يمكن أن يكونوا تقدموا بها من ناحية قيمتها الإثباتية هي بينات سماعية في مجملها و يمكن مناهضتها وفقا لقواعد الجرح و التعديل المعمول بها فى قوانين الاثبات» ، فان شهادات موظفى المنظمات الدولية تتطلب مثول قائليها امام قضاة المحكمة و هو امر تستصعبه هذه المنظمات لجهة انه يعرضها للانتقام و يعقد مهامها الانسانية فى مناطق النزاعات ، لذا فان منظمة انسانية مثل اللجنة الدولية للصليب الاحمر تمنع قوانينها من تقديم ادلة او ادلاء موظفيها بشهادات امام المحاكم الدولية او الوطنية الخاصة بجرائم الحرب ، و كان طلب القضاة من مكتب المدعى العام بالمحكمة الجنائية الدولية بضرورة مثول مقدمى بعض الشهادات المكتوبة من موظفى المنظمات الانسانية فى الكونغو ورفض هذه المنظمات لذلك هو احد الاسباب الاساسية التى قادت قضاة المحكمة لرفض القضية المرفوعة ضد توماس لوبانغا احد قادة المليشيات المتهم بارتكاب جرائم حرب فى الكونغو اخيرا ، و ارجاع الامر للادعاء بحجة عدم كفاية الادلة . و يقول سراج الدين فى هذا الخصوص « معظم هذه المستندات هي تقارير للمنظمات غير الحكومية ووكالات الأمم المتحدة والأشخاص، وما يتم كتابته على الانترنت، فهي بذلك ليست وثائق ذات قيمة قانونية» .
لكن المدعى العام الدولى كما بين اعتمد فى تأسيس ادعائه على وثائق و معلومات قدمتها الحكومة السودانية، و كذلك على المصادر المفتوحة والتى كما اشار هى عبارة عن رصد لتصريحات المسؤولين السودانيين فى وسائل الاعلام المختلفة . وقد ذهب اكثر من مسؤول حكومى خلال الايام الماضية الى التأكيد على ضعف البينات القانونية للمدعى العام الدولي من حيث حجيتها ، من بينهم وزير العدل، و رئيسة لجنة التشريع بالبرلمان فى الجلسة الطارئة للبرلمان الاسبوع الماضى، و قبلهم كان نائب الرئيس علي عثمان فى مؤتمره الصحفى عشية اعلان المدعى العام الدولى الاثنين الماضى ، و قدموا مرافعات فى هذا الخصوص غير ان هذه المرافعات تقتضى وفقا لنظام روما المثول امام المحكمة الدولية اولا ، و من ثم مناهضة الادعاءات الحجة بالحجة ، و لكن هؤلاء المسؤولين كانوا يدفعون قبل المرافعة القانونية بعدم اختصاص المحكمة الجنائية الدولية فى ولايتها القضائية على السودان، رغم الاحالة التى تمت اليها من قبل مجلس الامن الدولى بموجب القرار 1593 فى مارس 2005 م.
ala-4506@hotmail.com
المحرر السياسي :الصحافة [/ALIGN]
Exit mobile version