مع اقتراب منتصف اغسطس العام 2005م، والفعاليات السودانية كافة تعيش فرحة بدء تنفيذ اتفاقية السلام الشامل، وتتأهب للاحتفال بالعيد السادس لبدء تصدير النفط السوداني، كانت القضية الخلافية بين الشريكين الجديدين في أولى عتبات التطبيق الفعلي لاتفاق نيفاشا، هي ايلولة وزارة الطاقة والتعدين في التشكيل الوزاري الجديد لأحدهما دون الآخر، لكن -وكعادتهما- طوال عمر الفترة الانتقالية، توصل الطرفان لمقترحات محددة لحسم الخلاف، الذي أفضى بالوزارة للمؤتمر الوطني، بجانب المالية، وتوزعت المناصب في هيئة وزير من هنا ووزير دولة من هناك.
—-
وقتها، كان السودان يصدر شهريا ما بين (4- 5) ملايين برميل نفط الى الشرق الأقصى بقيمة (50) دولارا للبرميل، وبلغ العائد عن الست سنوات الأولى(15) مليار دولار. وكان رأي الفريق أول سلفاكير ميارديت النائب الأول لرئيس الجمهورية، أن التشكيل الوزاري الذي تم لا يخدم إلاّ دعاة الانفصال، واعتبر حينها، ان ذلك يحمل البعد النفسي الذي كانت ستحدثه ايلولة اي من الوزارتين (المالية والطاقة) للحركة لجهة وحدة السودان. فيما كان رأي باقان أموم – الأمين العام للحركة، انه ليس هناك استعداد نفسي لدى كثير من قادة الحركة للعمل في الشمال، وكان الرأي الأخير هو القبول بالتشكيل لكسب الوقت.
الآن، وبعد مرور خمس سنوات من ذلك التاريخ، كانت أبرز المقترحات التي ظلت تتداولها الأوساط الاعلامية، نقلا عن بعض قيادات شريكي نيفاشا، فيما يلي تولي الحقائب الوزارية في الحكومة الجديدة، والتي جاءت عبر انتخابات عامة، المقترح الذي يقضي بتقسيم وزارة الطاقة والتعدين لثلاث وزارات (الطاقة، البترول، الكهرباء)، والأبرز في التقسيم هو ايلولة وزارة البترول المقترحة للحركة الشعبية، في مقابل عودة الخارجية للمؤتمر الوطني، رغم الحديث عن تمسك الحركة بها، إلى جانب الشؤون الإنسانية.. وتبدو قضية تقسيم الطاقة والتعدين لثلاث وزارات، إن حدثت، أقرب إلى تسوية ترمي إلى ما بعد تشكيل الحكومة وهو مرحلة الاستفتاء، وتتجنب الخلاف الذي ساد في بدايات الشراكة.
ويأتي الحديث عن انشاء وزارة للنفط، في وقت كشف فيه يوسف رمضان مدير إدارة البترول بحكومة الجنوب لـ (الرأي العام) أخيرا، عن ارتفاع اسعار النفط خلال الربع الأول من هذا العام بنسبة زيادة فاقت الـ (100%) لمزيج النيل، الذي ارتفع الى (77.7) دولارا للبرميل مقارنة بـ (35) دولارا للبرميل في الربع الاول من العام 2009م، بينما قفزت اسعار(مزيج دار) بنسبة تفوق الـ (200%) ليبلغ سعر البرميل (65.5) دولاراً خلال الربع الاول من هذا العام مقارنة بـ (20.5) دولارا للبرميل، فيما ارتفعت صادرات النفط بنسبة (40.6%)، بتصدير نحو (22.1) مليون برميل مقارنة بـ (13.1) مليون برميل خلال الربع الاول من العام الماضي، بينما ارتفعت عائدات النفط خلال الربع الأول من العام الحالى الى (920.6) مليون دولارا مقارنة بـ (196.5) مليون دولارا لنفس الفترة من العام الماضي بنسبة زيادة بلغت (368.5%)، وارتفعت عائدات النفط من المصافي المحلية الى (230.3) مليون دولارا مقارنة بـ (161.1) مليون دولارا خلال الربع الأول من العام الماضي بنسبة زيادة بلغت (42.9%). وتبقى الحقيقة التي أكدها رمضان، ان انتاج النفط بالجنوب بلغ نحو (86.6%) من حجم النفط المنتج بالبلاد خلال الربع الأول من العام الحالي بينما بلغ النفط المنتج بالشمال نحو (14.32%).
ومع هذه الأرقام المتصاعدة، ونسبة انتاج النفط الكبيرة في الجنوب، يأتي الحديث عن أهمية وحساسية مسؤوليات وزارة النفط في مرحلة ما بعد الآنتخابات، وقبل الاستفتاء، بالنسبة لطرفي الحكومة، لكن يبدو أنها أكثر حساسية بالنسبة للحركة، ويرى مراقبون أن النفط هو أحد أهم موارد الإقليم في مقبل أيامه إن لم يكن أهمها عى الإطلاق، وبالتالي فإن حرص الحركة الشعبية على الامساك بمقاليد هذه الوزارة نابع من الحرص على أهم موارد الجنوب الذي لا يختلف اثنان على امكانية تحوله إلى دولة منفصلة من خلال الاستفتاء على تقرير المصير، إلى جانب أن الحركة كانت كثيرا ما تثير قضية الشفافية في حسابات البترول، وتتهم المؤتمر الوطني باخفاء الحسابات والأرقام الحقيقية، ومن هذا الجانب أيضا يمكن أن تكون وزارة النفط أحد أسباب الحركة للإبقاء على حظوظ وافرة للوحدة على أساس أن التقسيم العادل، من وجهة نظر الحركة، قد يعني شراكة سليمة في سودان موحد.
وتبدو درجة التوافق بين الشريكين واضحة إلى حد ماحول توزيع الحقائب الوزارية، وربما بات في حكم المؤكد أن تؤول وزارة النفط للحركة، فتصريحات القيادي بالحركة، وزير الخارجية السابق دينق ألور الثلاثاء الماضي، تصب في هذا الإتجاه حيث كشف عن مقترح تقسيم الطاقة والتعدين لثلاث وزارات، وقال إن المؤتمر الوطني طلب أن تؤول إليه وزارة الخارجية، على أن تتولى الحركة وزارة البترول. وأشار إلى أن الحركة تدرس المقترح، توطئة لاتّخاذ قرار ومناقشته في اللجنة المختصة بتوزيع الحقائب الوزارية بين الشريكين وبقية الأحزاب. وأمن ألور على أن المفاوضات بين الشريكين حول التشكيل تمضي بصورة طيبة، لوجود اتفاق عام على برنامج الحكومة المقبلة، مع التركيز على إجراء الاستفتاء في موعده المحدد.
وفيما كان الحديث عن ان تنازل الحركة في 2005م عن وزارة الطاقة، بمثابة تنازل عن قضية الوحدة، فإن الحديث اليوم هو عن تقديم المؤتمر الوطني لوزارة النفط على أساس انها مدخل للحفاظ على الوحدة، وانهاء ما يوصف بالتهميش للاطراف الأخرى، وفي هذا الإتجاه يمضي القيادي بالحركة أقوك ماكور، والذي يقول إن القضية إذا مضت نحو ايلولة الوزارة للحركة، فإن لذلك فوائد وتأثيرات جيدة على الشراكة لان التوزيع العادل يعضد العمل من أجل الوحدة، ويحد من الروح الانفصالية لدى من يميلون إليه، بجانب أنه يؤكد على روح التعاون بين الشريكين في إمكانية ذهاب أي وزارة لأحدهما. لكنه يستدرك بأن الأهم من الوزارات هو عمل الشريكين من أجل الوحدة الجاذبة. ويضيف ماكور لـ (الرأي العام)، إن هذا حق يعطى للحركة سواء أكانت هناك وحدة أو لا. ويرى ماكور فيما يثار حول مسألة الشفافية في ارقام البترول، أن الأمر سيان سواء أكان الوزير من الوطني او الحركة، لأن الوزير شخص تنفيذي لا يغير كثيرا من الواقع ولا من النسب، إضافة لوجود مفوضية للبترول ولجنة مشتركة، وكلتاهما مع الوزير المعني يحددون مدى الشفافية، ويشير إلى ان معرفة الأرقام ليست من حق الشريكين فقط، وإنما من حق كل مواطن أن يعرف كل شئ عن النفط. وينبه ماكور إلى ضرورة التفريق بين الفترة الماضية والحالية عبر أمرين، أولهما: أن الحكومة منتخبة، والثاني: أن النظام رئاسي، وبالتالي من حق الرئيس اختيار من يشاء، ولكن لأن الحركة جاءت باغلبية في الجنوب فإنها تنال (30%) ويستمر التفاوض والتفاهمات بينها وبين المؤتمر الوطني في توزيع الحقائب.
لكن الأكاديمي الجنوبي المختص في دراسات السلام د. أبنيقو أكوك، رغم تأكيده على أن مثل هذه الخطوة ستكون مدخلا للثقة بين الطرفين، إلا أنه يؤكد على أنه ما لم تكن حكومة الوحدة الوطنية متفاهمة وتتكون من أشخاص مؤمنين بوحدة واستقرار السودان، وينتهجون نهجا يرضي الجميع فستكون هناك مشكلة، ويقول إن لأيلولة وزارة النفط للحركة عائداً نفسياً جيداً يخلصها من الشكوك ويؤدي للتفاهم مستقبلا، ويقود لعدم الشعور بالظلم، ويضيف أن على الطرفين توحيد رؤيتهما قبل الاستفتاء بجانب استمرار اللجان المشتركة في عملها من أجل مستقبل البلاد.
وكيفما كان الأمر، فإن أيلولة وزارة النفط للحركة الشعبية في التشكيل الوزاري الجديد، تفتح أفقاً جديداً لتمهيد الطريق نحو الوحدة المرتجاة، وكأنما تمنح الحكومة الجديدة، للحركة صكا أخذته منها قبل خمسة أعوام، في سبيل بقاء السودان موحداً، هذا إن لم يكن صكا يدفع الجنوب للتعجيل بالرحيل.
عوض جاد السيد
صحيفة الراي العام