تمالكت (نادرة) أعصابها عندما دخل عليها (حاتم) على سنجة عشرة، واعلمها باستعداده للخروج معها للسهر بمناسبة عيد زواجهم العاشر .. مرت الليلة على خير وفي الصباح انتظرت خروجه للعمل بفارغ الصبر، كي تبدأ حملتها الاستخباراتية الجديدة بعد راحة استمرت ست سنوات، عل الحظ يحالفها باكتشاف (من طرأت) على زوجها واعادته لمربع واحد الدون جواني .. أول خطوة قامت بها هي الاتصال بمخبرتها الخصوصية زميلة (حاتم) في العمل، والتي كانت في الماضي تزودها بأخبار نزواته وغرامياته، والتي انقطعت عن الاتصال بها منذ موقعة (زعمطين)، يوم أن قامت (نادرة) بمساعدة شقيقتها (سوسن) بـ كسر الحسناء جكسة (حاتم)، والتي انتهت برميه يمين الطلاق عليها ثم عودتهم لبعضهم تايبين نايبين بعد عام من الفراق ..
بعد السلام وتبادل الاخبار والسؤال عن سبب الغيبة الطويلة، تشجعت (نادرة) وسألتها عن سير وسلوك (حاتم) في الشغل، ولكن جاءها التأكيد من تلك الزميلة أن (حاتم) من يوم داك (ماشي علي العجين وما بلخبتو) ، وأنه يحرص كل الحرص عن البعد عن شر الحسناوات في محيطه العملي ولا يكلف نفسه عناء الغناء لهن ..
لم تترك (نادرة) ضربا من ضروب التخابر، ولكن دون أن توفق في اكتشاف ما جدّ على (حاتم) ومسح ذاكرة هاتفه الجوال، إلى أن جاءتها الأكيدة ذات ليلة فقد استيقظت بعد منتصف الليل لتلبي حوجة ملحة للذهاب إلى الحمام .. سحبت نفسها من السرير بمشقة ووضعت يدها على ظهرها علّها تخفف من ثقل بطنها الممتد أمامها منذرا بقرب الوضوع، إلتفتت للسرير المجاور صدفة فوجدته خاليا .. لم تفكر كثيرا في غياب (حاتم) عن فراشه في هذا الوقت المتأخر من الليل، وتقدمت نحو الحمام ولكنها وقفت وتصلبت كتمثال عندما وصلت للهول، فقد كان (حاتم) يجلس في ظلام ويتحدث بصوت هامس من هاتفه .. ظلت على وقفتها الساكنة لا يتحرك منها إلا حبات من الدموع تركتها تتساقط على مهل لتبلل صدرها، ولم تكن صدمة (حاتم) بأقل من صدمتها عندما ختم مكالمته وإلتفت ليجدها واقفة بالقرب منه !
لدهشة (نادرة) لم يفكر (حاتم) في محاولة إنكار الواقعة، فقد صارحها بكل بساطة أنه على علاقة عاطفية بطالبة جامعية تعرّف عليها بواسطة صديق، وأن علاقته بتلك الشابة الصغيرة علاقة جادة غيرت كثيرا من ثوابته بل وغيرت نظرته للحياة، ولذلك ينوي أن يتوّجها بالزواج ..
لم تفلح دموع (نادرة) ولا اهتزاز بطنها مع نخجات بكائها في اثارة عطف (حاتم)، فقد اكتفى بالتأكيد لها بأنه يحبها ويحب أبناءه منها، وانه لا يفكر في ظلمهم ولا التخلي عنهم، وأن كل المطلوب منها أن تسامحه وتسمح له بفعل ما يرضي ضميره وقلبه ..
طلبت (نادرة) الاجتماع بشقيقتها (سوسن) على وجه السرعة، وعندما حضرت دخلتا فورا في اجتماع لاكثر من ساعة حكت فيها (نادرة) عن مصيبتها الجديدة طالبة منها المشورة .. انتهى اللقاء بوعد من (سوسن) بجيب خبر تلك المعتدية الجديدة ومعرفة أسرتها ومكان سكنها نيابة عن شقيقتها المكلومة بسبب ثقلها وحملها المتقدم ..
بعد أقل من أسبوع كانت (نادرة) تنزل من سيارة الأجرة أمام منزل الجكسة الجديدة تسبقها بطنها ويلحق بها أطفالها الخمسة .. طرقت الباب فسمحوا لها بالدخول ومن معها، وبعد تقديم الضيافة سألت عن غريمتها فعرفت أنها خارج البيت .. تشجعت وبدأت في تعريف نفسها لأم الفتاة وشقيقاتها .. أخبرتهم بنفس الطريقة أنها أم هؤلاء الصغار وشقيقهم الموجود داخل رحمها، والذين هم أبناء (الراجل البتّكم طالعة ونازلة معاهو) ..
للأسف لم تكن ردة فعلهم مثل ردة فعل أهل (صفاء) زميلة (حاتم) الزمان، فقد تسدرت أم الصبية الجامعية للرد على (نادرة) بغضب شديد:
هوي يا مرة ألزمي حدك واحترمي البيت الانتي فيهو .. بتي مافي زول بقدر يقول عليها كلمة .. وحاتم الطالعة ونازلة معاه ده يبقى خطيبا وعرسم قريبات دي ..
غيرت (نادرة) تكتيكها بسرعة من الهجوم إلى محاولة استدرار العطف، وحاولت أن تكسب قلوبهم بالحكي عن معاناتها في تربية الصغار الذين رزقت بهم بالتتالي خلال عشرة سنوات، وكيف انها صبرت على نزوات (حاتم) وحركاتة الصبيانة من أجلهم، ولكن جاءها الرد الفاحم من أم الشابة بـ :
ما تخافي أنا والله حا أقيف ليك انتي وأولادك بنفسي وما حا أخليهو يقصر معاكم بي حاجة .. بس انتي ما تخافي !!
وعندما حاولت الاستمرار في مسعاها أفحمتها أحدى شقيقات الفتاة:
يختي انتي لو كنتي حريصة على بيتك ما كنتي نايمة في أضانك الوكت ده كلوووو .. الجماعة ديل ليهم سنتين بحبوا بعض والليل كلو يتكلموا بالتلفون وانتي ما جايبة خبر .. هسي وكت بقوا للعرس يا دوب ما وجعك ؟!!!
خرجت (نادرة) تجرجر خلفها أبنائها وذيول الخيبة وتنعى تغير الزمن والناس، وتحاول أن توطن نفسها على الأمر الواقع بعد تيقنها من صحة حكمة (الحذر ما بمنع القدر).
لطائف – صحيفة حكايات
munasalman2@yahoo.com