ربما كان الحظ حليفا لـ (نادرة) في قرارها الأهوج، باقتحام منزل تلك الأسرة الآمنة والشكوى لربة البيت من تصرفات ابنتها، لأن والدة (صفاء) كانت امرأة مستورة الحال طيبة القلب، فقد قبلت شكوى (نادرة) بصدر رحب وطيبت خاطرها، وأخبرتها بأنهم من أسرة محافظة بسيطة الحال كل رأس مالها الستر، بل ووعدت (نادرة) بقفل باب الريح وابعاد ابنتها عن طريق (حاتم) بصورة نهائية وقد كان، فقد علمت (نادرة) من مخبرتها الخاصة وزميلة زوجها التي تنقل إليها الأخبار، أن (صفاء) قدمت استقالتها وغادرت الشركة قبل أن يمر أسبوع على زيارة (نادرة) لوالدتها ..
مرّ عامان على تلك الواقعة شهدت فيها الساحة العاطفية بين (نادرة) و(حاتم) استقرارا وهدوء مشوب بالحذر، سعى فيها (حاتم) لكسب ثقة (نادرة) من جديد، فخفف من رشاقته الزايدة وكف عن مزاولة هوايته المحببة في لفت أنظار الحسان واثارة اعجابهن، ولكن لأن الزمّار يموت وصباعه بـ يلعب، فقد وصل لـ (نادرة) شمار حار بعد قيامها من النفاس بطفلتها الثانية، مفاده دخول حسناء فرعاء مصقول عوارضها ساحة (حاتم)، أظهرت النيّّة في خطفه ولم يظهر هو أي بادرة اعتراض ..
كانت (نادرة) قد أنشغلت بتعب الحمل والولادة ورعاية صغيريها عن متابعة حركات وتحركات (حاتم) المريبة، حتى جاءتها الانتباهة مع زيارة خاصة من مخبرتها الخصوصية يوم أن حضرت لتهنئتها بالمولودة، فقد داعبتها بخبث قائلة:
يختي باين عليها الأمّورة الصغيرونة دي شغلتك من حاتم .. قام انشغل هو ذاتو بي أمّورة كبيرونة كل يوم قاعدة تجي تزورو في المكتب وتطلع معاهو بعد نهاية الدوام!!
لم تغادر المخبرة الخصوصية المنزل، إلا بعد أن ملأت رأس (نادرة) بأخبارها المسمومة واشعلت في قلبها نار الغيرة، فقد أخبرتها عن علاقة (حاتم) بطبيبة صيدلانية شابة، تعمل في صيدلية تقع أسفل العمارة التي تضم مكاتب شركة خطوط الطيران .. حكت لها بالتفصيل الممل كيف أن تلك الحسناء صارت تصعد لمكتب (حاتم) بعد نهاية ورديتها وتبقى معه حتى ينتهي من العمل ليغادرا العمارة معا بسيارة (حاتم) ..
انتظرت (نادرة) بفارغ الصبر خروج ضيفتها لتسرع لسماعة الهاتف وتتصل بشقيقتها الكبيرة وراس الهوس (سوسن)، وما أن رفعت الأخرى السماعة حتى انفجرت (نادرة) بالبكا وهو تقول:
شفتي يا سوسن الراجل المافيهو فايدة ده داير يقصر عمري ويقتلني قبال يومي بي عمايلو ؟!!
جاءها صوت (سوسن) مشفقا:
مالو؟ .. سوى ليك شنو عرّة الرجال ده؟ .. الله لا تاجرو ولا غزّا فوقو بركة !!
حكت (نادرة) وسط شنهفاتها وشهقاتها لشقيقتها تفاصيل اخبارية مغامرته الجديدة التي وصلتها طازجة في التو واللحظة، وختمت قصتها بتساؤل حائر:
هسي الراجل أب عينا طايرة ده أفوت ليهو البيت وأخليهو .. وللا أسوي شنو في دنيتي تطير عيشتي أنا ؟!!
قاطعتها (سوسن):
تبري وتستبري يا يمة .. تطير عيشتو هو والبومة حقتو دي .. تفوتي وتخلي ليها الجمل بما حمل يا عويرة ؟ اسمعي النحدثك بنات الزمن ده ما بجن إلا بالعين الحمراء .. أصبري ليها المخوزقة أمانة ما نأدبا جنس أدبا !!
أغلقت (نادرة) سماعة الهاتف بعد أن اتفقت مع شقيقتها على خطة جهنمية – ما تخرش المية – كافية لتأديب تلك المعتدية التي سولت لها نفسها الحقّارة بدخول عرين (نادرة)، ولعل تلك الخطة الشافية تتسبب في لحس (حاتم) للتوبة من مطاردة الحسان ومباراتهن !!
كعادته في نهاية أمسية ذلك اليوم المشهود، كان (حاتم) يسرع بالتشطيب والاطمئنان على سير العمل، قبل أن يغادر الشركة وفي صحبته الصيدلانية (شقيقة القمر) .. بشي من الكلفتة انتهى من توقيع الاوراق التي أمامه وحمل مفاتيح سيارته وأشار للحسناء أن (ورحكاكي) .. خرجا معا شبة متلاصقين من بوابة العمارة، وتوجها نحو المكان الذي ركن فيه السيارة وهما يتبادلان الحديث الضاحك .. فتح للحسناء الباب لتركب ثم دار حول السيارة ليبلغ مقعد السائق، ولكن قبل أن يصله صك أذنه صوت صراخ وعويل .. إلتفت بأنزعاج ليفاجأ بـ (نادرة) التي برزت من الظلام برفقة (سوسن)، وقد قامت بسحب الحسناء من شعرها إلى خارج السيارة بينما انهالت عليها (سوسن) بكل قوتها ضربا ومعطا وشلاليت …
يتبع
لطائف – صحيفة حكايات
munasalman2@yahoo.com