يبدو أن جنوب السودان موعود بعدد من التطورات السياسية والعسكرية والإستراتيجية بما يضفي على تاريخه المستقبلي أهمية ربما تؤثر على كثير من الدول حوله.
كما يبدو أن الجنوب -الذي تسعى عدة جهات داخلية وخارجية لتسهيل عملية انفصاله عن الشمال- قد يتحول إلى ميدان جديد للتنافس بين القوى الدولية الكبرى.
وكانت اتفاقية نيفاشا للسلام الموقعة عام 2005 قد نصت على منح الجنوبيين حق تقرير المصير في استفتاء بداية عام 2011، وهو استفتاء يرى مراقبون أنه قد يقود لانفصال الجنوب عن السودان.
فبينما تحولت تكهنات واحتمالات المراقبين نحو البحث عما تضمره الرغبة الأميركية والغربية في مساعدة الجنوبيين على الانفصال وترك الدولة الأم، أجاب ما نقل عن طلب الحركة الشعبية لتحرير السودان الحاكمة للإقليم الجنوبي بناء قاعدة أميركية في الدولة الوليدة حال تحقق الانفصال، على كثير من تلك التكهنات.
تباين آراء
لكن على الرغم من اختلاف الآراء حول حقيقة المطالبة الجنوبية نفسها والرغبة الأميركية الجامحة في فصل الجنوب، يبدو الاستنتاج من الجانب الآخر واضحا بوجود جهات دولية تسعى ولو على استحياء لوضع المنطقة تحت السيطرة الغربية بإيجاد دولة تدفع كثيرا من الفواتير الهامة في المستقبل.
وفي حين يشير أستاذ العلوم السياسية بجامعة الخرطوم محمد نوري الأمين إلى سعي الحركة الشعبية لإيجاد آلية جديدة تضمن وجودها الدائم على سدة الحكم “ولو بالتحالف إستراتيجيا مع أميركا”، استبعد مدير مركز الدراسات السودانية حيدر إبراهيم لجوء الحركة إلى فصل الجنوب وبالتالي فشل مخطط بناء قاعدة أميركية في الإقليم.
ويؤكد الأمين أن خير وسيلة لتحقيق هدف البقاء والسيطرة للحركة هو التوافق على بناء قاعدة أميركية بالجنوب “لتعمل باسم حماية الدولة الجديدة على تنفيذ إستراتيجية الغرب وأميركا في المنطقة، كما ستعمل على حماية الدولة الوليدة من أطماع دول الجوار الجنوبي لها خاصة عندما نضع في الاعتبار مغزى وجود جيش الرب الأوغندي في المنطقة”.
إحكام للسيطرة
ولم يستبعد الأمين في حديث للجزيرة نت، أن تعمل القاعدة الجديدة إذا ما نجحت أميركا في بنائها، ضمن القواعد الغربية في شرق ووسط وغرب القارة لإحكام السيطرة الغربية على أفريقيا والقرن الأفريقي على وجه التحديد.
وتوقع أن تكون القاعدة الجديدة منصة انطلاق إستراتيجي جديدة لربط جوانب الإستراتيجية الغربية المختلفة في القارة وإعطائها توجها واحدا “يضع في الاعتبار المشكلة الجديدة التي تتمثل في أزمة مياه النيل وما يترتب على ذلك من تخويف لمصر وإجبارها على الاعتدال فيما يتعلق بمطالب إسرائيل”.
وكانت إثيوبيا وبوروندي وجمهورية الكونغو الديمقراطية وكينيا ورواندا وتنزانيا وأوغندا قد اتفقت في 13 أبريل/نيسان الماضي على العمل لإعادة توزيع مياه النيل بما يضمن ما وصفته بالاستخدام العادل لمياه هذا النهر، لكن مصر والسودان أكبر المستهلكين لمياه النيل- ينأيان عنها.
أما مدير مركز دراسات الشرق الأوسط عثمان السيد فقد أكد للجزيرة نت، أنه بحسب ما توفر من معلومات فإن العلاقة الأمنية والعسكرية والإستراتيجية بين أميركا والجنوب أمر قائم منذ مدة طويلة.
أميركا وإسرائيل
ولفت السيد إلى وجود عدد من الخبراء العسكريين الأميركيين والإسرائيليين يعملون في تدريب قوات الحركة الشعبية ويؤهلون أفراد الجيش الشعبي “وبالتالي فإن بناء قاعدة أميركية قد تم التخطيط له منذ مدة طويلة”.
وتوقع أن يحقق بناء القاعدة الأميركية في الجنوب، إذا ما نجح القائمون على أمره، مجموعة أهداف كانت تفتقدها الولايات المتحدة في المنطقة. وقال إن عددا من قادة الحركة الشعبية يتحدثون عن الشمال العدو المحتمل حال الانفصال ولا يتحدثون عن أكثر من خمس دول مجاورة للدولة الجديدة.
وأبدى السيد استغرابه لعدم إثارة الحركة لأي قضية مع دول الجوار الأخرى كأوغندا وكينيا “مثلما تثيره من عداوة مع الشمال”. وقال “من الواضح أن ما يجري في الجنوب هو مخطط غربي يهدف لتكوين دولة معادية للشمال ومنفذة لإستراتيجيت الغرب في المنطقة”.
أما مدير مركز الدراسات السودانية حيدر إبراهيم فاستبعد انفصال الجنوب، ورفض التوقعات ببناء قاعدة عسكرية بالإقليم. لكنه اعتبر أن قبول السودانيين بفرضية الانفصال وعدم مقاومة ذلك هو ما يحقق مصالح كثير من الجهات.
ودعا في حديثه للجزيرة نت، الشماليين والجنوبيين إلى الاستعداد لمواجهة الانفصاليين في طرفي السودان “وبالتالي البحث في كيفية منع بناء قاعدة أميركية من عدمه”.
الجزيرة نت