دنيا الناس … غرائب ..!!

[ALIGN=CENTER]دنيا الناس … غرائب ..!! [/ALIGN] ** عم صالح وزوجته سكينة وإبنهما محمد ، أسرة سودانية كانت تقيم بمصر إبان عهد الزعيم الراحل جمال عبد الناصر .. حيث الأب صالح كان يعمل عند أسرة يهودية بالقاهرة ..وعندما تعرضت مصر للعدوان الثلاثي طرد نظامها كل الأسر اليهودية بما فيها تلك الأسرة التي يعمل عندها العم صالح ..أختارت الأسرة الهجرة إلي فرنسا ، وأقترحت لعم صالح بأن يرافقها في تلك الهجرة بصحبة إبنه الذي لم يكن قد تجاوز الست سنوات عمرا ..فوافق طمعا في رغد العيش وأملا في توفير مستقبل زاه لإبنه في فرنسا ، تعليما وتأهيلا ..وقد كان ..حيث غادر مصر – بصحبة إبنه – مع تلك الأسرة إلي فرنسا بعد أن أرسل زوجته سكينة إلي السودان لتقيم مع أهلها بالخرطوم بحري ..!!
** بعد خمس سنوات من الهجرة ، مرض عم صالح هناك ولم يعد قادرا على العمل ، فأقنعته الأسرة اليهودية بالعودة إلي وطنه، ولكن وحده بلا إبنه محمد ، حيث إلتزمت له ذات الأسرة بتحمل كل أعباء تربية إبنه وتعليمه هناك .. فوافق عم صالح للمرة الثانية ، وعاد وحيدا ، تاركا طفله مع تلك الأسرة اليهودية ..وإستقر به المقام حيث زوجته التي تكبدت رهق رعايته حتى إسترد عافيته ، وظل معها حينا من الزمن حتى إنتقل إلي الرفيق الأعلى ، رحمة الله عليه ..ولكن منذ عودته وحتى وفاته لم يتم أي نوع من أنواع التواصل مع إبنه الذي تركه مع الأسرة اليهودية بفرنسا ..وكذلك لم تبذل تلك الأسرة أي جهد لمد حبل التواصل بين الطفل ووالديه .. وهكذا ظل حال التواصل مقطوعا بين الطفل وأمه وأبيه وأهله .. !!
** وعلى ذاك الحال تجاوز الإبن داخل تلك الأسرة اليهودية مرحلة الطفولة ثم الصبا والمراهقة ، حتى تجاوز الخمسين عمرا ..حيث لم يعد بذاكرته أى شئ عن أمه وأبيه و بلده وأصله وحسبه وإسمه ، وحتى عقيدته التي كانت إسلامية بالفطرة وعند الطفولة حلت محلها اليهودية ..نعم نجحت الأسرة اليهودية في نزع كل تلك الأشياء من ذاكرة الطفل وقلبه ، حيث شب وشاب يهوديا .. وتزوج بممرضة فرنسية تعمل بأحد مشافي باريس و أنجب منها إبنه دانيال وإبنة لا أذكر إسمها حاليا.. والممرضة الفرنسية هذه هى التي تعرفت بأحد قساوسة الخرطوم بحري قبل أربع سنوات عندما ذهب الي باريس مستشفيا ، ودار بينهما الحديث عن السودان ، وهنا تذكرت الفرنسية بأن زوجها كان قد حدثها ذات يوم بأن أصوله من دولة إفريقية إسمها السودان ، ولكنه لايعرف أي شئ عن تلك الأصول ..ونجح القس في تطوير هذه المحادثة إلي عملية بحث عن أية معلومة تخص هذا السوداني المنسي .. !!
** ونجح .. قبل عامين وبواسطة موظفة بوزارة الزراعة نجح القس فى مد حبل التواصل بين الإبن وأمه التي لا تزال على قيد الحياة .. وفيما بعد نجح في إحضار الإبن من فرنسا .. حيث جاء يحمل الخمسين ونيف عمرا .. وكم كان محزنا عندما لم يستطع أن يتعرف على أمه التي إستقبلته عند صالة الوصول بصحبة أهلها و إبنها الثاني والذي هو شقيق هذا القادم الغريب الوجه واليد واللسان والثقافة والدين .. لحظة التلاقي كانت مؤلمة ، حيث الأم ذات السبعين ونيف إنتظرت تلك اللحظة بحنان الأم وإشتياقها لإبن فارقها طفلا وها هو يعود رجلا .. ولكن لحظة التلاقي عند الإبن لم تكن مشبعة بتلك الأحاسيس ، بل كانت مجرد لحظة إستكشاف ومعرفة هذه المرأة التي أنجبته، بدليل إبداء رغبته في أن يستضيفه القس بمنزله لحين عودته إلي فرنسا سالما .. ولكن بالطريقة السودانية أقنعوه بأن منزل الأب والأم هو المكان الأفضل للابن .. وقد كان بعد توسط وموافقة القس ..المهم ، التقيا ومكث معها عشرين يوما ، وكانت لغة العيون هي لغة التفاهم بينهما طوال العشرين يوما ، ما لم يزرهما مترجم ..قبل رمضان بشهرين ، غادر إلي فرنسا حيث أسرته الصغيرة وتلك الأخرى التي نزعت منه عقيدته وهويته ولغته وثقافته ..هكذا القصة الواقعية لعم صالح وزوجته وإبنهما .. سردت بعض تفاصيلها ، تاركا كل المغزى لفطنة القارئ وفطرته السليمة .. !!

إليكم – الصحافة الجمعة 18/09/2009 العدد 5831
tahersati@hotmail.com

Exit mobile version