هل اقترب انفصال جنوب السودان؟

عندما يتابع البعض انكفاء الجنوبيين على الجنوب والشماليين على الشمال في الانتخابات الأخيرة، ويرى شبكات اتصال الجنوب مربوطة بأوغندا، بجيش وبنك مستقليْن وأعلام خاصة، يحق له التساؤل عما إذا كان انفصاله مسألة وقت فقط ولا يفصلنا عنه سوى استفتاء شكلي مطلع 2011؟.

هنا يختلف السياسيون والمحللون، فمن قائل إنه بات على الأبواب لأن الحركة الشعبية لتحرير السودان التي تحكم الجنوب- تريده، وقائل إنها مع الوحدة، وقائل إنها ليست كل شيء في الجنوب حيث الشارع وحدوي.

البعض حمّل مسؤولية أي انفصال للحركة الشعبية بحجة رغبتها في الانفراد بنفط الجنوب والسلطة فيه، لكن آخرين حمّلوا المؤتمر الوطني المسؤولية لأنه لم يعمل -في نظرهم- لوحدة جاذبة، ولم يسمح بتحول ديمقراطي حقيقي، ولم يعمل على إزالة “مظاهر ثقافة الشمال المهيمنة”.

بنية قائمة
يقول الوزير السابق والقيادي في المؤتمر الشعبي موسى المك كور (جنوبي) إن “التيار العام في الحركة الشعبية انفصالي، كما أن المزاج العام في الشارع هناك انفصالي”.

ويرى كور أن “بنية دولة الجنوب فيما بعد الانفصال قائمة”، ويشير إلى وجود علم خاص، وجيش بعقيدة قتالية مختلفة عن الشمال، وشرطة، وكل المعطيات “تشير إلى أن الساحة السياسية مهيأة لهذا الأمر (الانفصال)”.
كما يرى رئيس التحالف الوطني الديمقراطي المعارض والمرشح للرئاسة عبد العزيز خالد، أن “الانفصال الآن أقرب من الوحدة”، ويحمل مسؤولية ذلك “لتنافر المشروعيْن الإسلامي في الشمال والعلماني في الجنوب”.

أما المؤتمر الوطني فبرغم تأكيده احترام رغبة الجنوبيين، فإنه يرى -بحسب قياديّه ربيع عبد العاطي- أن الحركة الشعبية لا تريد الانفصال لأنه ليس في مصلحتها، و”ما نسمعه ليس إلا مناورات للحصول على مزيد من المكاسب”.

وسخرت المعارضة بشدة من تصريحات لـعمر البشير قال فيها إن استبيانا سريا لحزبه أكد أن 40% من الجنوبيين مع الوحدة، و30% مع الانفصال، و30% لم يقرروا بعد.

خطاب الغموض
أما الحركة الشعبية نفسها فلا تتخذ موقفا علنيا وتتبنى خطابا يشوبه بعض الغموض حين تقرر احترامها رغبة القواعد دون دعوتهم لهذا أو ذاك.

وفي تصريح للجزيرة نت، ورغم تأكيده أنها “مع الوحدة الطوعية على أسس جديدة”، يشدد الناطق باسمها يان ماثيو على أن الوحدة تعرضت لضربات من المؤتمر الوطني وما وصفها بـ”الحكومات الخرطومية”.

وتحدث للجزيرة نت عن “إستراتيجية جديدة بشأن مستقبل السودان” تملكها حركته، ولم يشأ الإفصاح عنها.

يلخص هذا الغموض تصريح صحفي لرئيس حكومة الجنوب سلفاكير ميارديت قال فيه إنه بعدما تعهد بالذهاب في الصفوف الأمامية ترويجا للوحدة، قرر -بسبب ما وصفها بتلكؤات المؤتمر الوطني- الذهاب في الوفد لكن في الصفوف الخلفية.

ويستبعد المحلل السياسي والأستاذ الجامعي حسن الساعوري الانفصال لأن الولايات المتحدة -راعية نيفاشا والمتعاونة مع نظام المؤتمر الوطني أمنيا- حريصة -حسبه- على وحدة تضمن مصالحها واستقرار المنطقة، كما أن وجود الجنوبيين في حكومة الوحدة “سيخفف من غلواء الإسلاميين”.

كما يرى المحلل السياسي تاج السر مكي أن الولايات المتحدة تؤمن بأنه “إذا حصل انفصال فلن يحدث استقرار”.
ويرى المحلل السياسي ورئيس تحرير صحيفة الأيام السودانية محجوب محمد صالح أن قرار الانفصال ليس قرار الحركة فقط، فهناك “عناصر كثيرة تتداخل”، وذكّر بمخاوف دول مجاورة من الانفصال وتأثيراته على الوضع الأمني للمنطقة، وبأنه لا توجد جهة واحدة “تستطيع أن تجيّر الوضع لصالحها”.

شعبيا
أما شعبيا فبرغم صعوبة استمزاج اتجاهات الرأي العام لغير مراكز الرأي المتخصصة، فإنه يبدو أن غالبية الجنوبيين في الخرطوم والشمال سيصوتون للوحدة، ولكن هؤلاء يحدثونك بأن أقرانهم في الجنوب ميالون للانفصال.

ستبدو المسألة غاية في الصعوبة حين يقول لك البعض إنه لا يدري كيف سيكون عليه حاله بعد ثمانية أشهر: هل سيكون في بلد أجنبي؟ وكيف سيبقي فيه؟، وسيقول لك آخرون إنهم سيرحلون دون مشكلة.

بين لا مبالاة البعض وترحيب البعض الآخر في الشارع الشمالي بالانفصال، توجد شرائح أخرى عريضة متخوفة من المجهول أو حريصة على استبقاء “أفعل التفضيل” التي ارتبطت بكون بلدهم الأكبر أفريقيا، وسيحدثك آخرون عن اشمئزازهم من الشكل المشوه لخارطة بلدهم الجديد إذا وقع الانفصال.

محمد غلام-الخرطوم
الجزيرة نت

Exit mobile version