ظلّ العائدون من بلاد الغربة على الدوام يرددون هذه المقاطع الشعرية المغناة وغيرها ولسان حالهم ينطق بها شاكين من خلالها ما أخذته منهم سنين الغربة الطويلة بالابتعاد عن الوطن والأهل والأحباب.. «آخر لحظة» تجولت وسط عدد من المغتربين وأسرهم فكانت هذه الحصيلة:
في البداية تحدث المهندس أحمد النور قائلاً: إن الغربة أخذت أغلى سنين عمره وحرمته من أهله وأحبائه، ولكن «الغربة لم تكن بإرادتي وتغربت من أجلهم لأكثر من عشرين عاماً وكنت أحلم دائماً طوال هذه الفترة بالعودة للوطن للاستقرار النهائي فيه، وبصراحة الغربة مُرًّة شديد».
والتقت «آخر لحظة» الأستاذ أحمد علي وأسرته في مطار الخرطوم بعد عودتهم التي استمرت لسنين طويلة خارج أرض الوطن، ورصدت احتفال أسرتهم وأصدقائهم بهم داخل المطار، وقال أحمد إن إحساسه لا يوصف بعد العودة للوطن بعد كل هذه الفترة الطويلة التي أخذت منه الكثير وحرمته من فرحة العيد وسط الأهل و«لمَّة إفطار رمضان» وغيرها.
الكاتما في جواي كتير
متملك الجوف والعصب
ما كنت دايره أقولوا ليك
لكن لسان الحال غلب
هكذا وصفت الحاجة سامية محمد حالها وحال أبنائها وهم ينتظرون عودة رب الأسرة من الاغتراب بعد أن فاقت سنينها الخمسة أعوام، وقالت رغم أن وضعنا المادي تحسن كثيراً إلا أننا أصبحنا لا نرغب في الهدايا والأموال، وأتمنى وجود رب الأسرة معنا لأن وجوده أهم من كل شئ، وفي غيابه تذوقنا ويلات الوحدة والألم.
أما الشاعر الرقيق إسحق الحلنقي الذي عايش سنين الغربة الطويلة خارج الوطن وصف إحساسه عند عودته النهائية للبلاد بأنه مثل طائر الخُداري عند عودته مع الغروب إلى عشه الصغير على ضفاف نهر القاش. وقال الحلنقي إن الغربة أخذت منه أجمل أيام حياته وتساقط منه الربيع وأتاه الخريف بكل رياحه.. و«أصبحت حياتي أماني زاهية البريق، فقد كنت أشعر طوال سنين غربتي بأنني إنسان تمت مصادرة أفراحه، وذلك لأن غربتي تمت عن طريق القدر.. وذكر الحلنقي بأن أجمل قصائده هي التي حملت أحاسيس العودة للوطن ومنها:
رجعت بعد سنين بلدك
تغني وفرحتك شايلاك
رجعت ولقيت عيون أهلك
تعاين ليك وما عارفاك
وإلى هنا نضع نقطة.. ولكن لابد من كلمات زاهيات باهرات تقال..
إن الغربة و رغم فراق الوطن والأهل والأحبة والنيل والشمس والحقول والأطفال والمطر.. رغم الدموع الهاطلة ورماح ونزيف الوجع إلا أنها ليست شراً مطلقاً وليست عذاباً سرمدياً فهي من وهب مكتبة الغناء البدائع والروائع، وهي من ظلَّلت الكلمات بظلال باهرة تمثلت في ذلك الوابل من الأشعار فكانت رائعة الكابلي «مرسال الشوق» وذلك الشلال الذي نبع من بين أنامل حسين بازرعة «كل طائر مرتحل عبر البحر حملتو أشواقي الدفيقة ليك يا حبيبة وللوطن» وغيرها من اللوحات الخالدة في مجال الشعر والنثر والقصة والدراما.
الخرطوم: فاطمة عبد العظيم
صحيفة آخر لحظة