أثارت سياسة “اللين” التي ينتهجها زعيم المؤتمر الشعبي السوداني المعارض حسن الترابي تجاه المؤتمر الوطني الكثير من التساؤلات بشأن طبيعة العلاقة المستقبلية بين طرفي الحركة الإسلامية، وشكل الحضور الذي يريده الترابي لنفسه في المرحلة القادمة.
فقد رفض الترابي تأجيل الانتخابات بخلاف قوى المعارضة الأخرى، ثم امتنع الأربعاء عن وصف الانتخابات الحالية بأنها مزورة، كما فعل كثير من رموز المعارضة.
بيد أن هذا “اللين” لا يعني انتهاء الخصومة بين الرئيس عمر البشير والترابي، فقد رأى أغلب المحللين السياسيين ممن التقتهم الجزيرة نت أن الخلاف بينهما حقيقي ويصعب تجاوزه، بل أصبح “صراع هوية”.
كما نفوا نفيا قاطعا فرضية وجود مؤامرة بين القطبين السياسيين غذاها ذهاب الترابي يوما ما إلى السجن يوم الانقلاب والبشير إلى القصر في أكبر “خدعة سياسية” عرفتها البلاد.
ويرى د. محمد المجذوب أن ما يمكن تسميته “هدية سياسية” -أي اعتراف الترابي بنزاهة الانتخابات- وتجاوز بعض النقاط العالقة كمسألة التحول الديمقراطي ممثلة في إجراء الانتخابات دوريا، يمكن أن يكونا “سلما للوصول لاتفاقات من نوع ما”.
ويكشف المجذوب عن وجود مفاوضات حثيثة استمرت أشهرا في الآونة الأخيرة ودخلت إلى تفاصيل التفاصيل بشأن إعادة اللحمة بين جناحي الحركة الإسلامية.
وينحو في هذا الاتجاه أستاذ العلوم السياسة في مركز دراسات الديمقراطية بجامعة ويستمنستر في لندن عبد الوهاب الأفندي الذي قال إن جهات عديدة من الطرفين بدأت تدعو إلى ضرورة التقارب، “لأن في استمرار الخلاف بينهما إهدارا لقوى الإسلاميين في هذا الصراع”.
وبشأن طبيعة الخلاف بين الجناحين يرى الأفندي أنه شخصي وليس أيديولوجيا، في حين يصر المجذوب على أن “شقة الخلاف بين الطرفين عميقة”، فهو منهجي وفكري ويرتبط بجدلية العلاقة بين الحركة والدولة.
فالترابي حسب المجذوب- يرى أن الحركة لها الأولوية والهيمنة على شؤون الدولة، ويرى الطرف الآخر أن الحركة هي للإسناد فقط، إضافة إلى الخلاف بشأن الحريات ودولة القانون والنظام الاتحادي.
وعن الدور الذي يرسمه الترابي لنفسه في المرحلة المقبلة يرى المحلل السياسي الطيب زين العابدين أنه دور زعيم المعارضة حيث يستطيع أن يخاطب المجتمع من داخل الأطر الدستورية ويبدي آراءه حول مختلف القضايا السياسية.
وفي ظل احتمال دخول الحزب الاتحادي الديمقراطي-الأصل وربما الحركة الشعبية لتحرير السودان إلى الحكومة فسيكون الترابي دستوريا هو زعيم المعارضة.
وحتى لو كان ما سيحصل عليه الاتحادي أو الحركة الشعبية على افتراض بقائهما في المعارضة- أعلى مما سيناله الشعبي فإن كاريزما الترابي وديناميكية برلمانيي حزبه ستجعله الصوت الأقوى داخل البرلمان، وفقا لزين العابدين.
محادثات الدوحة
أما أستاذ العلوم السياسية بجامعة النيلين حسن علي الساعوري فيقول إن “حسابات الترابي مرتبطة مع العدل والمساواة بزعامة خليل إبراهيم”. مشيرا إلى أن التقارب الحاصل الآن بين حكومة الخرطوم والعدل والمساواة وتقدم محادثات الدوحة بشأن دارفور ليس بعيدا عن مهادنة الترابي للمؤتمر الوطني.
ويرى الساعوري أن كون معظم أنصار الترابي من دارفور كما يقول- يفرض عليه “نوعا من الازدواج التنظيمي بين العدل والمساواة والمؤتمر الشعبي”. ويضيف “هناك تعاون بين الاثنين”.
وينبه المجذوب -الذي يؤكد العلاقة الوطيدة بين الترابي والعدل والمساواة- إلى أن زعيم المؤتمر الشعبي أعلن منذ فترة طويلة “سياسة شد الأطراف للتأثير على المركز” سبيلا لتوطيد النظام الاتحادي الذي يؤمن به.
غير أن المجذوب يستبعد إزالة الضغوط التي يمارسها الترابي عبر العدل والمساواة على المؤتمر الوطني، “ما لم يحصل على ما يطمئنه على قضايا الحريات والفدرالية وتقاسم الثروة مع الأطراف”.
ولهذه الأسباب وغيرها يرى العديد من المراقبين أن الترابي سيكون رقما صعبا في المعادلة السياسية السودانية في قادم الأيام.
الجزيرة نت