يقتصر وجود الأمم المتحدة المكثف بأراضي السودان على بعثتيها العسكريتين في الجنوب (يوناميس)، والمشتركة في دارفور مع الاتحاد الأفريقي (يوناميد)، البالغ عدد أفرادهما نحو ثلاثين ألف جندي، وإنما تجاوز ذلك إلى فضاء الإعلام ومجال الاتصال.
إذاعة مرايا هي أحد أبرز تجليات ذلك الوجود الإعلامي الأممي في السودان، وهي تمثل الصوت الطاغي في مختلف نواحي جنوب السودان، وتتقدم على إذاعة الحركة الشعبية لتحرير السودان وحكومة الجنوب بأشواط، فضلا عن إذاعة السودان القومية.
غير أن وجود الإذاعة مختبئة وراء أسوار مبنى تابع للأمم المتحدة في شارع محمود شريف بالمنشية شرق الخرطوم دون لافتة ودون ترخيص للعمل في الشمال وفي ظل اتهامات من هنا وهناك بأنها غير محايدة وبأن لها أجندة خاصة، يفتح الشهية للتساؤل عن حقيقتها.
وتبث الإذاعة وفقا لمنتج الأخبار فيها، السوداني محمد محمد عثمان 24 ساعة في الجنوب على الموجات الترددية (أف أم) باللغة العربية حينا وفي أغلب الأوقات بـ”عربي جوبا” -وهي لغة عربية عامية متداولة في الجنوب- إضافة إلى الإنجليزية.
وبجانب بثها على موقعها الإلكتروني باللغتين العربية والإنجليزية، تبث الإذاعة على الموجة القصيرة ست ساعات يوميا، يمكن أن تلتقط في الشمال.
وبخصوص الانتقادات الموجهة لها بأنها صوت الحركة الشعبية يقول عثمان إن “ذلك غير صحيح” وإنها “تمثل وجهة نظر جميع السودانيين” من انفصاليين ووحدويين، مشيرا إلى أن تلك الاتهامات قد تكون نابعة من اهتمامها بالجنوب.
وترى لمياء عبد الله من دارفور أن الإذاعة “بذرة سلام” ووحدة وأنها -بحكم بثها باللغة العربية الفصحى- قد تكون عامل نشر للغة العربية والثقافة العربية في الجنوب.
أما وجود جميع السودانيين فيها من عرب وزنوج ومسلمين ومسيحيين ووثنيين ومن شرق وغرب ووجود أجواء من المحبة والألفة بينهم، وكون إذاعتهم وموقعها الإلكتروني مصدر خبر الجنوب الأبرز لدى مختلف الصحف السودانية، فذلك حديث الجميع هنا.
وفي مقابل حديث الجنوبي غابريال جوزيف شدار نائب رئيس تحرير البرنامج العام بفخر عن إذاعته حين يقول إنها “جمعت لأول مرة بين الحزب الشيوعي والمؤتمر الوطني (الحزب الحاكم) على طاولة واحدة”، حديث آخر تشوبه المرارة عن منع الإذاعة من البث للشمال، “حيث كان بودنا أن نعكس التنوع فيه”.
وفيما يتعلق بالرسالة الإعلامية لمؤسسته يعتبر مدير البرامج الفلسطيني سمير مطير أنها “دعم تنفيذ اتفاق نيفاشا للسلام الشامل وعملية المصالحة والتعايش”.
ويؤكد مطير أن الإذاعة منصوص على وجودها في قرار مجلس الأمن الذي أنشأ بعثة الأمم المتحدة في السودان (يوناميس)، مثلما أن وجودها سنة درجت الأمم المتحدة على اتباعها في مختلف مناطق النزاع -بعد انتهاء الحروب- كما حصل في ليبيريا والكونغو الديمقراطية.
وبرغم أن الإذاعة، التي تشغّـل 120 سودانيا، كان لها مراسلوها في مختلف ولايات السودان وعشرة مراسلين في ولاية الخرطوم وحدها أثناء الانتخابات الحالية -بحسب مطير- فإن الإذاعة تعمل دون تصريح في الشمال ويمتنع بعض المسؤولين الحكوميين من التصريح لها أحيانا.
ويعلل غابريال شدار امتناع الحكومة عن منح ذلك التصريح بأنهم “يعرفون أنه لا يمكنهم السيطرة على المحتوى الإعلامي للإذاعة”.
سيادة وطنية
غير أن الأمين العام لمجلس الإعلام الخارجي في وزارة الإعلام السودانية بكري ملاح، يرد ذلك المنع إلى مسألة “السيادة الوطنية” و”ضرورات الأمن القومي” المرتبطة بوصولها “لمساحات لا يصلها الإعلام القومي”.
وبرغم اعترافه بأن قرار مجلس الأمن 1590 بتاريخ 24 مارس/آذار 2005 المنشئ ليوناميس يعطي البعثة الحق في إذاعة تحافظ على “تثبيت السلام”، فإنه كان ثمة خلاف حول مناطق البث ومساحة تحركات المراسلين.
ويعتبر ملاح أن صحفيي الإذاعة -الذين يحملون بطاقات تحمل اسم الأمم المتحدة ويجوبون شوارع الخرطوم في سياراتها- “يشتغلون من وراء ظهر الأجهزة المختصة ويمكن لأجهزة الأمن أن تمنعهم”.
مستقبل غامض
بيد أن واحدا من أكبر الهواجس لدى صحفيي الإذاعة وموظفيها هو مستقبل الإذاعة ومستقبلهم الغامض، لأن وجود هذه الإذاعة يرتبط بتنفيذ اتفاق نيفاشا الذي يتوج بإجراء استفتاء لتقرير مصير الجنوب مطلع السنة المقبلة، وهو استفتاء يبدو أن كل شيء معلق عليه هنا في هذه البلاد.
وبدا نائب المدير العام لمشروع إذاعة مرايا، الأردني أكرم النيس دبلوماسيا في كلامه حين قال “إن لدينا الوقت الكافي لنفكر في الأمر”، وإن “الإذاعة ستظل موجودة ما دام هناك تفويض” من قبل الأمم المتحدة لبعثة يونامس.
الجزيرة