لم تمكث فاطمة سيد أحمد ذات الخمسين ربيعا في غرفة الاقتراع -على عكس كثيرين- سوى دقيقة واحدة أمضت نصفها في التثبت من هويتها، وذلك ببساطة كما تقول لأنها لا تريد “وجع الرأس”.
فاطمة التي رفضت تصويرها- قالت للجزيرة نت إن تصويتها اقتصر على اختيار رئيس للجمهورية ووال لولاية الخرطوم، وإنها فضلت أن “تنجو بنفسها”.
وجع الرأس ذاك حمل الكثيرين على قضاء نحو 20 دقيقة أحيانا بين ثمان بطاقات في الشمال و12 في الجنوب، مليئة بالأسماء والرموز المستوحاة من الطبيعة، تيسيرا للفهم في مجتمع أكثر من نصف مواطنيه أميون.
بل إن سلفا كير ميارديت النائب الأول لرئيس الجمهورية رئيس إقليم الجنوب -الذي لم يمارس العملية الانتخابية في حياته- أمضي 30 دقيقة كاملة حسب وكالة الصحافة الفرنسية وإذاعة مرايا الأممية، وهو يقدم رجلا ويؤخر أخرى في ذلك الوحل الانتخابي شديد التعقيد، في حين أمضى البشير 10 دقائق كاملة.
قانون شديد التعقيد
ورغم أن القانون يمنح الناخب في الشمال ثلاث دقائق فقط، ونظيره الجنوبي أربعا ليقرر في ذلك الكم الهائل من المرشحين واللوائح الانتخابية، فقد بدا منذ اليوم الأول للانتخابات أن القانون في أحيان كثيرة يبدو شديد التعقيد، وأن حملات التوعية المكثفة التي قامت بها مختلف وسائل الإعلام السودانية لشرح عملية التصويت قبل الاقتراع قد ذهبت أدراج الرياح.
وتظل بعض الأحزاب السياسية متشبثة بالأمل في تثقيف ناخبيها حتى آخر لحظة، ولذلك ينصب حزب المؤتمر الوطني الحاكم العديد من خيمه على بعد أكثر من 200 متر من مراكز الاقتراع، وفق ما يحدده القانون لفك طلاسم عملية الاقتراع، ولـ”أغراض أخرى”، وفق ما يقول منتقدوه.
وإزاء الشكاوى من تعقيد العملية لا يجد مسؤولو المفوضية هنا غير القول إنها “تعقيدات لا يمكن تجازوها”، وإنه ليس بالإمكان أحسن مما كان، ويصفونها رغم ذلك- بأنها “الأكثر انضباطا على مستوى العالم”، حسب تعبير عضو المفوضية مختار الأصم، في حين توصف بأنها الأكثر تعقيدا على مستوى ذلك العالم.
ويمتد التعقيد إلى آلية الانتخاب نفسها، إذ يعتمد في هذه الانتخابات على نظام مختلط معقد يعتمد الأغلبية المطلقة في جوانب، والنسبية في جوانب أخرى.
كومة البطاقات
أما كومة البطاقات التي يدلي بها الناخب المثقل بهموم معيشة قاسية، فهي واحدة لرئاسة الجمهورية وأخرى لمنصب الوالي وثالثة للبرلمان القومي من قوائم تقدمها الأحزاب يشترط حصولها على 4%، ورابعة لقوائم النساء في البرلمان، وخامسة وسادسة وسابعة وثامنة. وفي الجنوب أضف تاسعة وعاشرة .. إلخ.
ويحمل الصحفي السوداني فيصل عبد الرحمن على إجراء هذه المستويات الانتخابية في وقت واحد، باعتبار أن موقف الناخب يغدو “مشوشا”، فهو حسب رأيه “لا يستطيع أن يفرز بموضوعية حيثيات التصويت بين تلك المستويات” في ذلك الوقت الوجيز.
بل يرى عبد الرحمن أنه ما كان ينبغي إجراء ثمان عمليات اقتراع مختلفة في عام واحد فضلا عن إجرائها في يوم واحد، أو إجرائها في دقائق معدودات.
غير أن ذلك التعقيد كله، الناجم عن تزامن تلك الاقتراعات التي أقرها اتفاق نيفاشا للسلام الشامل عام 2005، يبدو شديد البساطة فيما لو قورن بالمشهد السوداني السياسي العام شديد التعقيد كثير الالتباس.
الجزيرة نت