يتساءل الكثيرون عن دوافع الإصرار الأميركي على إجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية السودانية في موعدها المقرر الشهر الجاري رغم تشكيك المعارضة بنزاهتها والدعوة لتأجيلها، كما يتساءلون عن أسباب الغياب المصري مع أن أهم تداعيات هذه الانتخابات والمتمثلة باستفتاء تقرير مصير الجنوب ستؤثر مباشرة على الجار الشمالي.
فقد بات واضحا أن الولايات المتحدة تسعى لإجراء الانتخابات التي يقول السودانيون المطالبون بتأجليها إنها ستكون تمهيدا لإجراء استفتاء عام -طبقا لبنود اتفاق نيفاشا- يؤدي إلى انفصال الجنوب.
وتجسد هذا الموقف عبر تصريحات المبعوث الأميركي إلى السودان سكوت غريشن عقب لقائه أمس الأحد مسؤولي مفوضية الانتخابات القومية السودانية، وقوله إنه اطلع على ما يؤكد استعداد السلطات المعنية لإجراء الانتخابات في موعدها وبشكل نزيه وشفاف.
المفارقة الأهم أن هذه التصريحات تأتي من مسؤول دأبت بلاده على اتهام الرئيس السوداني عمر البشير بتورطه في جرائم الحرب في دارفور، وأيدت مذكرة الاعتقال الصادرة بحقه من المحكمة الجنائية الدولية، وتوعدت بتقديمه للعدالة الأمر الذي يمنح المرء حق السؤال عن سر هذا التغير لا سيما وأن الرئيس البشير من أشد المتمسكين بإجراء الانتخابات في موعدها.
الماضي والحاضر
من جانبه، يسترجع الكاتب والمحلل السوداني فيصل محمد صالح الموقف الأميركي السابق الرافض لانفصال الجنوب -ليس حبا في السودانيين- ولكن حرصا على المصالح الأميركية في المنطقة وأولها خشية واشنطن من أن يتحول الشمال السوداني المسلم بغياب الجنوب إلى دولة أصولية.
ويقول محمد صالح للجزيرة نت إن الأميركيين -وحتى وقت قريب- كانوا يرون في انفصال الجنوب مقدمة لنشوء دولة ستعيش على المساعدات وغير مستقرة بسبب صراعاتها الداخلية والقبلية المحتملة التي ستترك تأثيرات سلبية على منطقة البحيرات المضطربة أصلا والتي تسعى الولايات المتحدة ووراءها العالم الغربي إلى تهدئتها.
وحتى مع وجود مكامن نفطية كبيرة تساعد على تعزيز قيام دولة جنوبية، يشير المحلل السوداني إلى أن النفط وحده لا يصنع دولا أو يحقق الاستقرار فيها كما هو الحال مع المثال النيجيري لاسيما في ظل سوء الإدارة وتحكم المصالح الشخصية.
لكن التصريحات الأميركية الأخيرة -كما يقول صالح وتحديدا تلك التي جاءت على لسان المبعوث الأميركي إلى السودان غريشن- باتت تدل على تبدل الموقف الأميركي وتسليمه بانفصال الجنوب.
وبرأيه فإن التفسير الأقرب لهذا التبدل هو القناعة الجديدة لدى الإدارة الأميركية بأن الانفصال واقع لا محالة أيا كانت الظروف والأدوات، وبالتالي تريد الولايات المتحدة أن تحقق لنفسها أكبر قدر من المكاسب من هذا الانفصال عند وقوعه.
الغياب المصري
وسيرا إلى الشمال مع مجري نهر النيل بعد مغادرته الخرطوم، يقف البعض مستغربين من الغياب المصري عن المستجدات الراهنة في السودان الذي يعتبر بالعرف الجيوسياسي العتبة الجنوبية للأمن القومي المصري.
وفي قراءته للمشهد السوداني، يرى عبد الله الأشعل -وزير الخارجية المصري السابق وأستاذ القانون الدولي حاليا في الجامعة الأميركية-أن الدور المصري في السودان لا يمكن أن يسجل حضورا أكبر مما هو عليه الآن بسبب افتقار النظام للرؤية الإقليمية السليمة وقراءته للتداعيات المحتملة للانتخابات السودانية وانفصال الجنوب.
ويذهب الأشعل إلى أبعد من ذلك للقول إن مسؤولين مصريين سبق وزاروا جوبا عاصمة الإقليم الجنوبي وتحدثوا عن استثمارات مصرية في المنطقة مما يعطي انطباعا بأن القاهرة -على ما يبدو- استسلمت لما ورد في اتفاقية نيفاشا التي اعتبرها الأشعل “أخطر تنازل قدمته الخرطوم للجنوبيين”.
ورغم اعترافه بأن القاهرة لعبت دورا هاما في دعم الرئيس البشير في أزمته مع المحكمة الجنائية الدولية، يشير الأشعل إلى أن غياب الدور المصري عن الساحة السودانية مرتبط بقراءة العلاقات المصرية الأميركية الإسرائيلية على خلفية أن ما يجري من حصار لغزة وبيع الغاز المصري لإسرائيل لا يختلف كثيرا عن صمت القاهرة المستغرب حيال المستجدات السودانية.
الجزيرة نت