وانصب فإن لذيذ العيش في النصب
فالأسد لولا فراق ألقاب ما افترست
والسهم لولا فراق القوس لم يصب
والتبر كالترب ملقى في أماكنه
والعود في غابة نوع من الحطب
يحتاج الإنسان من وقت لآخر الرحيل والتسفار إلى مكمن الأحداث وأمكنة صناعة الحياة.. والحياة يصنعها البسطاء حسب عبارة صديقنا حسين خوجلي.. كما المحررين والكتاب الذين لا يهدأ لهم بال ولا ترتاح لهم همة ولا دآبة.. فحتى العبارات وتتجدد والأفكار تكتسب لوناً وطعماً أثيرين إذا ما التصقت بالحقول ولامست أشواق الدهماء.. فالعبارات تشيخ وتموت والمفردات تتآكل وتتلف أن لم تجتحها رياح الحركة.. والتجديد و.. و.. و..
ظهر الأحد الفائت حملت بطاقتي وقليل من المستلزمات لم تتعد قلماً ومفكرة ووجهة وهوية و(خلال) وصندوق بندول وقليلاً من المصاريف.. ثم احتقبت أشواقي وخرجت إلى موقف حافلات شندي في رحلة إلى ريفنا السوداني الهادي الجميل.. وأصدقكم القول إني خلال هذه الرحلة استخدمت مجموعة وسائل مواصلات.. منها كارو وموتر وركشة وأمجاد وبوكس فضلا عن الحافلة السياحية.. وسعيت أن أتوجها بالقطار عند عودتي ولكني لم أوفق.. الكارو استقللته في منطقة البجراوية.. لما ترجلت في هذه المنطقة الأثرية لأزور التاريخ في عقر داره وبعض المشروعات الزراعية.. فعرض عليَّ أحد المزارعين وسيلة كارو للعودة للطريق القومي، حيث الحافلات ووسائل المواصلات بعد أن استضافني في (كرقة) ماهلة يطرزها همبريب غير مصنوع بالفريون.. مزيج بين الشتاء والصيف وأريج الحقول.. لما تصبح الرواكيب الصغيرة أكبر من مدن.. نمشي في كل الدروب الواسعة ديك، لدرجة الهتاف في أرصفة المدينة.. يا أيها الأفندية يا أيها المتسولون يا أهل الطبل والطبالي عودوا إلى الريف، ففيه متسع للذين أرهقتهم الإيجارات وضاقت بهم الحارات.. وتلك قصة أخرى !!
فى رحلة الذهاب زاملت رجلا ينتمي إلى قبيلة العبادة وجذوره تتمدد إلى بربر معقل هذه القبيلة.. لكنه يعيش في منطقة درديب طريق كسلا بورتسودان.. الرجل يشجع المريخ ويبلغ تحاياه إلى الأخ مزمل أبو القاسم لما عرف هويتي وصحيفتي.. حدثني بمرارة عن الشرق الجريح بعد انهيار عمليات الزراعة والماشية كمهن رئيسية على حين تدني معدلات الاهتمام الحكومي بالريف.. بالتزامن مع تراجع معدلات الأمطار وانصراف المزاج العام من عمليات الإنتاج.. وللذين يقرأون بتطرف أنا لا أتحدث هنا عن مدينة بورسودان، حيث تستقدم إيمان مدني وندى القلعة على ضفاف البحر.. أنا أتحدث عن العمق الريفي الذي لا يتطلع بطبيعة الحال إلى استقدام ندى وأخواتها بقدرما يحتاج إلى نداء التنمية والصناعات البديلة وتوطين الناس والماء والحياة و.. و.. فكلما أضفنا مؤسسة بوسط مدينة أفرغنا قرية واستجدبنا حواشة واستوحشنا حقل إنتاج.. هذا ما لم أتعلمه من منظري الحكم الاتحادي وتعلمته على قارعة الطريق من رجل عبادي بسيط.. فكل الناس أعلم وأعرف منك يا عمر!!
وللحديث بقية..
[/JUSTIFY]