اختار سيف محمود الطريق الصعب، وهو التتلمذ، بينما اختار غيره الطرق السهلة وزوروا الأوراق ليؤكدوا انهم أكملوا تلك المرحلة الدراسية او هذه، وانكشف امرهم وفقدوا مقاعدهم في البرلمان. وما جعل هذا الرجل المصري محط إعجابي هو أنه لم يحاول ان يخفي عن زملائه وأهل دائرته الانتخابية انه يدرس مناهج مخصصة لمن هم فوق العاشرة بقليل، بل أعلن على رؤوس الأشهاد أنه تلميذ «إعدادي» وأنه بحاجة الى دروس إضافية في الرياضيات واللغة الانجليزية.. لم يقل: يا عيب الشوم الناس اللي حواليا نُصُّهم عندهم دكتوراه والنص التاني ليسانسات وبكالوريا وكابوريا وحاجات كده من بلاد بره عليها القيمة.. وأنا يا دوب حي الله بتاع ابتدائي.. حيقولوا عليا إيه الدكاتير دول (الدكاتير هي جمع دكتور عندما يكون حامل اللقب ديك – تور).
بالعكس أقام سيف محمود زيطة وزملبيطة واحتفل بحصوله على الاعدادية وأدلى بتصريحات صحفية بتلك المناسبة المهمة في مسيرته الحياتية والعملية.. وربما ما حدا به الى إشهار كونه «بتاع إعدادية» ثقته بنفسه، بعد ان بقي في البرلمان 15 سنة رأى خلالها أن حملة شهادات أكاديمية متواضعة قد يكونون أكثر ذكاء ودراية بالقضايا العامة من بعض الدكاتير الطراطير، ومن ثم لم يقرر مواصلة تعليمه العام بل الالتحاق بمدرسة صناعية تضيف جديدا الى خبرته العملية، رغم علمه ان الناس في «بلد شهادات» ستقول عنه «بتاع صنايعي»، وهم لا يعرفون ان بتاع الصنايعي هو الأوفر حظا في سوق العمل.
في دولة قطر نال درجة الماجستير قبل نحو خمس عشرة سنة شخص اسمه (إن لم تخني الذاكرة) علي الهاجري.. قال في حوار صحفي انه التحق بالمدرسة الابتدائية وعمره 12 سنة، وقبلها كان يرعى غنم العائلة، ورعى الهاجري نفسه حتى صار يشغل اليوم منصبا رفيعا في مؤسسة ضخمة.. ولم اسمع به بعد ذلك الحوار لأن العصاميين ليسوا طلاب شهرة.. وفي نفس الوقت فإنهم خالون من العُقد التي جعلت الكثيرين من الشخصيات العامة في بلداننا عصامية في جهلها لأنها بدلا من الاستزادة من العلم تستزيد من المكابرة والادعاء والنفخة الكاذبة.
jafabbas19@gmail.com [/JUSTIFY]