انهيار المدينة.. غياب الدولة

[JUSTIFY]الغياب الكبير لمؤسسات الدولة (المدينة) المُناط بها حماية أفراد المجتمع بغض النظر عن انتماءاتهم القومية أو الدينية أو الفكرية، أفضى إلى حالةٍ من التيهِ المديني فاستشرت حالة بين بين، تماثل صورة الدامر لدى (توفيق صالح جبريل) ( لا هي قرية تبدو بداوتها ولا هي بندر).!

إحالة هذا التيه إلى مرجعية محددة، لابد، وبالضرورة أن يترتب على حزمة إجرائية تتضمن تقصٍ دقيق وتقفٍ على نسق حذو الحافر للحافر لصيرورة الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية في هذه البلاد، بعيد الاستقلال وإلى الآن.

وعليه سيكون صادماً، أن نقول: إن رعيل السياسيين (الإعلام) لحقبة ما بعد الاستقلال، تولوا (عِظم) مسؤولية انهيار مؤسسات الدولة، والإطاحة بالحياتين المدنية والريفية على حد سواء، ليس لجهلٍ منهم، لكنهم تعمدوا ذلك من أجل مكاسب شخصية مغلفة بادعاءات (عريضة) بالوطنية.

هؤلاء الرعيل، ونسهلم ممن تلاهم، ظلوا يتوسلون إلى السلطة والمال والجاه، بإفشاء القبلية والعنصرية تارة، والطائفية أخرى، إلى أن تناسلت النتائج الكارثية ووصلت أعلى مراحلها في صيغة (الدولة الدينية) التي تمت إدارتها بمنهج يفتقر إلى الرشد والخيال (منهج التمكين)، وهو منهج لا يزال ينخر في عُمق الدولة (مؤسساتها)، لكن ولأن المعطيات الراهنة والظروف المحيطة إقليمياً ودولياً، علاوة على عوامل ذاتية متصلة بلب ونواة الأيدولوجيات التي تنشد (تأسيس) هذا النوع من الدول، والتي قد تبلغ أعلى مراحلها من التطرف والانحراف – إذ ما سمح لها بذلك – كحالة (داعش) الماثلة.

الإطاحة بالدولة المدنية التي أسسها الاستعمار الانجليزي، حدثت منذ أول يوم لإعلان الاستقلال رافعة دعاوي الوطنية والسودانية (السودنة) وما يترتب عليهما من ادعاءات بالخصوصية وما يستدعي – بعد ذلك – من حضور كثيف للطائفة والقبيلة، ومن ثم الشعارات (الدينية)، وتالياً وبناءً على تلك الجهود (الإطاحية) الضخمة تمت عمليتا إقصاء وتهميش واسعتين، ديموغرافياً وثقافياً، ومؤسساتياً، ما انعكس على الحياة المدينية التي توقفت عن تطورها الطبيعي، وهو تطور – لو تم- لكان كرس – بالضرورة – وكنتاج طبيعي للحياة المدينية – لقيم السلام والتسامح وقبول الآخر والمساواة في الحقوق والواجبات، وهي من أهم مبادئ الدولة المدنية التي لا يخضع فيها أي فرد لانتهاك حقوقه من قبل آخر.. فهناك دوما سلطة عليا هي سلطة الدولة والتي يلجأ إليها الأفراد عندما يتم انتهاك حقوقهم أو تهدد بالانتهاك، فالدولة هي التي تطبق القانون وتمنع الأطراف من أن يأخذوا الأمر بيدهم.

وهنا لابد أن ننوه، إلى أن الدولة المدنية لا تعادي الدين وإنما تحول دون استخدامه لتحقيق أهداف سياسية، لأن ذلك يتنافى مع مبدأ التعدد الذي تقوم عليه.
[/JUSTIFY]

Exit mobile version