منى عبد الفتاح : مرحلة متقدمة من الحُب

[JUSTIFY]غادرتنا سريعاً الرسائل الرومانسية المكتوبة بخط اليد، والمعطّرة أحياناً، لتحلّ محلها الرسائل الإلكترونية، ولم يثنِ هذا التحوّل الكبير دار “مون بلان” قبل عدة سنوات من إصدار قلم بمناسبة يوم الحب الموافق لـ 14 فبراير من كل عام. القلم المترف مصنوع من البلاتين المطلي بالذهب الأبيض مزين بقلوب مرصّعة بالزفير الوردي وتحيط بها مجموعة من الماسات. ونسبة لهذا التغيير الكبير فإن الدار الشهيرة المتخصصة في صنع السلع الفاخرة لم تغامر بصناعة أكثر من 14 قلماً يقتنيها من أرادوا العودة لما تركوه من أشعار ورسائل لم تكتمل بسبب عجالة القفز والتصحيح والحذف الإلكتروني كي يدققوا فيها ثانية ويملؤا المساحات الفارغة، ويجربوا حبرهم على ظهر الكروت والصور بإهداءات لا تختفي بضغطة زر.

لماذا القلوب وردية وحمراء والبحار زرقاء والسهول خضراء، ما دامت هناك اكتشافات علمية جديدة تقترب من أن تكون حقيقة. هذه الاكتشافات تدك صروح القناعات القديمة في محاولة أن تنبئنا أن هناك طبيعة أخرى لم نصلها بعد، وأننا قريباً جداً سنكفر بمؤثرات الخصب والنماء الطبيعية ونتمرّد عليها بالخضوع لسلطان التطور العلمي رضينا أم أبينا.

ولم يقف الأمر عند هذا الحد فقد أصبح في الإمكان توديع الزمن الرومانسي بحبه الذي لم يعد ساحراً ومفرغاً من كل أدوات العذاب أو السعادة بقرب أو الشقاء ببعد، لأنه أصبح من السهولة بمكان مهما كانت وسيلة التواصل ومهما كانت معزّة من تحب عندك أن تستأذنه للانصراف إلى النوم مثلاً وهو الشخص المفترض أن تسهر بسببه الليالي وتعد النجوم. ولم يعد الحب لغزاً محيّراً لأنّ العلماء أفرغوه من هذا السحر بعد أن اكتشفوا العناصر الكيماوية التي تحرّض العاطفة وتجعلها متأججة، وعن طريق التجارب أثبتوا أنّ هناك تغييرات كيماوية تحدث للشخص المحب في بعض أجزاء المخ. ليس هذا فحسب بل زفّت لنا الديلي ميل البريطانية بشارة الخير بأنّه سيكون من الممكن في المستقبل القريب تحضير “حبوب الحب” ودعمها بهرمون الأوكسيتوسين الباعث لمشاعر الثقة والارتباط الاجتماعي والتغلب على مشاعر الخجل، وذلك لتباع في الأسواق مثلها مثل “حبوب الفاليوم” الخاصة باستجداء النوم. فهل كان الناس فيما مضى يحلمون بأن يأتي يوم يشترون فيه النوم، لا طبعاً. وها هي التجربة تتكرّر في شراء الحب.

وسيذهب العلم إلى أبعد من هذا فلن يكتفي بهذه الحبوب الجالبة والمستجدية لحالات الحب، ولن يقف عند حقيقة إثبات أن الحبّ من وجهة نظر علمية بحتة ثبت أنه أعمى. نعم نفس الوصف الذي كنا نقوله مجازاً ثبت بالتجربة والبرهان. فحسب الباحثين في لندن كوليدج قالوا إنّ الوقوع في الحب يؤثر على كيمياء المخ ويغيّرها لدرجة تتعطل معها بعض الدوائر العصبية المسؤولة عن التقييم الاجتماعي للأشخاص الذين نقع في حبهم، ويفسّر ذلك التغاضي والتسامح الكبير عن أخطاء وعيوب من نحب. أما المرحلة المتقدمة التي يصل فيها المحب للصراع بين ما يريده قلبه وعقله فهذه تجيء بعد زوال تأثير الانفعال الكيميائي فيكتشف الشخص أنّه ورّط نفسه في حب أو ما كان يعتقده حباً لم تتوفر له فرص التكافؤ أو الأرضية المشتركة التي تسمح له بأن يترعرع فيها وينمو وبهذا سيموت في مهده ولكن من يقنع القلوب العمياء بأنّه كان حباً أهوجاً سببه ثورة الهرمونات.

ماذا سيفعل المحبون في يوم الحب وكيف سيطلبون من شفيع العشاق “فالنتاين” مباركة قصصهم ورعاية ورودهم الحمراء وقد خلطت علينا وعليهم هذه الدراسات رؤيا الألوان فلم تعد تعني ما تشير إليه؟.. ولكن عند فالنتاين الحب اليقين.
[/JUSTIFY]

Exit mobile version