النكات العنصرية

[JUSTIFY]للأسف، لم يستطع (أحمد رضا دهيب) الأمين لاتحاد الدراميين السودانيين ولا (المُنكتاتي) ذاكر سعيد، أن يجترحا دفاعاً موضوعياً إزاء الاتهامات والانتقادات الكثيرة الموجهة للنكتة بشكل عام باعتبارها جنساً من الكوميديا، أو للنكتة (المنتشرة) التي تتوسل السخرية من (المجموعات الثقافية) السودانية المختلفة، سبيلاً لإضحاك الناس.

السيدان آنفا الذكر، كان استضافهما (عبد اللطيف البوني) عبر الهاتف في برنامج (BNFM) الذي تبثه فضائية (النيل الأزرق) صباح كل يوم، كي يدافعا عن/ ويدفعا بـ(تهمة) العنصرية التي تلحق بهذا النوع من النكات التي تتناول (القبائل). لكنهما للأسف، لم يكتفيا بعجزهما عن الدفاع، بل أوغلا في مرفعات أقل ما يقال عنها أنها (خارم بارم).

فالنكات، خاصة تلك التي قال عنها (ذاكر سعيد) أنها موجودة بكثافة في (ذواكر) هواتف الجمهور، وكأن ذلك مبرراً كافياً ومؤشراً ( ما يخرش الميه) على جودتها وقبولها، لا علاقة لها بالكوميديا البتة، فالكوميديا بمعنى (الملهاة) هي نوع من أنواع التمثيل (فيلم، مسرحية) ذات طابع خفيف من أجل التسلية، بل هي فن أدبي يهدف إلى إحداث الشعور بالبهجة أو السعادة، وقد نشأت الكوميديا في أوروبا من لدن الأغاني الجماعية الصاخبة، ومن الحوارات الدائرة بين الشخصيات التي تقوم بأداء شعائر الخصوبة في أعياد الإله (ديونيسيوس) ببلاد اليونان، وهي الأعياد التي تمخض عنها فن الدراما, أما فهي النُّكْتَةُ الفكرةُ اللطيفة المؤثِّرَة في النفس والمبنية على المفارقة.

وبين هذين التعريفين، يتمأزق كل من (دهيب وذاكر)، اللذان دافعا عن عنصرية – وهي بالفعل كذلك – النكات التي تجترجها تلك الفرق التي تسمي نفسها زوراً وبهتاناً وكسلاً بالفرق (الكوميدية)، وهي ليست كذلك بالتأكيد المبني على التعريفات الاصطلاحية المحكمة والدقيقة.

وعندما نقول إن تلك النكات عنصرية، فإن لدينا ما يثبت ذلك ويؤكده، وما العنصرية إلاّ حزمة سلوكيّات وأفعال تعلي من شأن فئة على حساب فئات أخرى بناءً على أسس لغوية ودينية وثقافية، فإذا وصفت تلك النكات بعض الفئات بالبلاهة والأخرى بسرعة البديهة والذكاء وحسن التصرف، ووصفت بعض المجموعات بالشجاعة والبسالة والأخرى بالذل والمسكنة والضعف، فإن هذه عنصرية لا شك فيها، وإن كانت مغلفة بمرافعات بليدة وغبية مثل (يا خي الموضوع ضحك ساي).

على من تضحكون، وممن؟ وعماذا تدافعون، عن النكات التي تتخذ مفارقاتها التي تنتج الطرفة من لون البشرة، القومية، اللغة، الثقافة، العادات، المعتقدات والطبقات الاجتماعية… إلخ.. إذن هذه عنصرية، لا مراء فيها.

عندما تعجز تلك الجماعات من المُنكتاتية عن إنتاج كوميديا راقية، فإنها تلجأ إلى أسهل الطرق، وليس كما قال دهيب وذاكر إن الأمر يتطلب قدرات إبداعية فارقة، بل إن إنتاج النكات (العنصرية) تلك، لا يتطلب إلا بعض القدرات الشحيحة في (المحاكاة)، وبعض (الحركات) المسرحية على طريقة (لزوم ما يلزم) والتي تنتج بلاهة أكبر.

وعليه، ينبغي على هؤلاء، العمل الدؤوب على إنتاج كوميديا حقيقية، بدلاً عن هذا الهرج.
[/JUSTIFY]

Exit mobile version