جاء في تقرير أصدره بنك كاوتس البريطاني وهو البنك الذي يتعامل مع الملكة إليزابيث الثانية، أن من يملك مليون جنيه إسترليني لا يستطيع أن يعيش حياة المليونيرات بل لا يستحق لقب مليونير! تذكر ان ذلك المبلغ يساوي ستة ملايين ريال سعودي/ قطري، ونحو 600 ألف دينار بحريني أو ربما أكثر (لا يُعتد بكلامي في العمليات الحسابية)، طيب لماذا لا يستطيع من يملك مبلغا كهذا أن يعيش في رغد؟ يجيب التقرير: لأن المليونير يحتاج إلى بيت ضخم وعدد من الخدم وزورق أبهة، وعلى الأقل ثلاث سيارات من النوع الراقي!
وفي تقديري فإن السبب في عدم أهلية من يملك مليون إسترليني للقب مليونير ليس التضخم وارتفاع كلفة المعيشة، بل كون الإنسان يصبح سفيها كلما ازدادت ثروته.. أخوكم -مثلا- كان يحسب نفسه خاشقجي الثاني (وكان خاشقجي وقتها مليونيرا أسطوريا) عندما كان راتبه نحو 5000 ريال، وكان ذلك المبلغ يكفيه ويزيد على حاجته، فأنت لا تشتري 12 قميصا و12 «فردة» حذاء كل سنة، وبمرور الزمن ارتفع راتبي، ولكن ذلك لم يحدث أي طفرة في مدخراتي، بل ظللت طوال عشرين من حياتي العملية بلا مدخرات، والسبب في ذلك أنه كلما ارتفع الراتب ارتفعت الكماليات إلى مرتبة الضروريات، وكان هناك أمر غريب، ففي أحوال نادرة كان الراتب يكفيني لأنه تعزز بحوافز أو مكافأة طارئة، ولكن ما إن يبقى في رصيدي المصرفي مبلغ ما حتى تتسرب المعلومات إلى أهلي في السودان وأتلقى نداء عاجلا بأن قريبي الشاب مثلا لم يسدد أقساط الدراسة الجامعية، أو أن أختي بصدد ختان أولادها أو أن عنزة خالتي بحاجة إلى عملية قيصرية في مستشفى بيطري خاص.
ما أريد أن أقوله هو أن الإنسان كلما زاد ماله، زادت احتياجاته ولذلك تكتشف أن أوضاعك المالية هي، هي بعد ارتفاع دخلك الشهري من 4000 دولار إلى 6000 أو عشرة آلاف منه، وقبل أسبوع وصلني إشعار بأن لي «فروق» راتب بكذا ألف ريال نتيجة خطأ في الحسابات لم يؤد إلى إضافة العلاوة السنوية إلى الراتب عدة أشهر، فأصبحت ثريا وأصبت بلوثة عقلية هي التي جعلتني أرسل مقالي ليوم أمس إلى صديق بدلا من أخبار الخليج، ما يؤكد أن هناك أناسا يصابون بالخبل إذا هبطت عليهم ثروة كتلك التي هبطت علي (نحو 1600 دينار)، وهذه النوعية لا تصيب الثراء الحقيقي الذي يتطلب امتلاك أسطول من السيارات والخدم والحشم والحراس الشخصيين، وذلك لطف من الله. (تعرفوا لو كنت غنيا فعلا لكان أعز أمنية عندي أن يعمل لدي مختص في المساج… اكتب مقالا وانبطح.. ليفتفت عضلاتي المستهلكة).
jafabbas19@gmail.com [/JUSTIFY]