خالد ساتي : حكاية مسؤول سابق !!

[JUSTIFY]تصريحات محمد علي المرضي وزير العدل الأسبق والتي جاءت ضمن حوار خاص نشرته “أول النهار” أمس .. ومن قبله أيضاً الاعترافات والافادات التي ظلت ترد على ألسنة من أقيلوا أو تم إعفاؤهم عن المواقع المهمة في الحكومة تكشف جملةً من الأمور المدهشة، في مقدمتها أن جميعهم تقريباً يطرحون أنفسهم ككبش فداء أو على أقل تقدير ينظرون إلى المسألة وكأنها اقصاء وإبعاد .. ثم هم لايترددون في تحميل كل الاخطاء التي رافقت حقبتهم للآخرين وتعليقها على شماعة الظروف والضغوط .. وهي مسألة متوقعة إلى حدٍ كبيرٍ .. لكن غير المتوقع هو أن ينفوا تحملهم ولو بالمشاركة أو مجرد ممارسة الصمت للمسؤلية واظهار كل ما أصدروه من قرارات واتبعوه من خطط كان سليماً وصائباً ولاتدخله ذرة خطأ واحدة.
مولانا المرضي قال فيما قال إن الاتهامات تلاحقه في حين أن غيره شيّد القصور وهو اعتراف يتجاوز مجرد الحسد المالي إلى التساؤل المشروع عن صحة الاتهامات التي نُسبت آنذاك إليه .. ألم يكن ضرورياً طالما أنه قد تمت إعادة تلك الملفات القديمة من خلال حوار “أول النهار” أن يكون دفاعه عن نفسه مشفوعاً بأدلة دامغة وقطعية بدلاً من الاكتفاء باطلاق عبارات النفي والرمي بكرة الاتهامات في ملعب الآخرين الذين مارس عليهم انتقادات شديدة الشراسة وكأن الذي بينه وبينهم هو “ثأر قديم ” .. حيث لم يسلم السيد الإمام ولا قيادات حزب الأمة من سهامه الحادة وهي طريقة قد تُفهم على عكس ما أراد تماماً، وتؤول باعتبارها محاولة للتهرب من ممارسة نقد الذات، وليس بالضرورة جلده.

مشكلة الساسة في بلادنا أنهم حين يغادرون مواقعهم يمارسون السياسة بأنيابهم وأظفارهم و “يحرقون روما ” في كل صباح ومساء، في حين أنهم وطوال فترة جلوسهم على كراسي السلطة يكتفون بالصمت والايماء الايجابي تجاه كل شيئ، والتصفيق المجاني لكل شيء أيضاً .. وذات الذين في الماضي القريب بصموا بالعشرة على مجمل وقائع الحالة السودانية هم الآن من يحاولون تصوير أنفسهم كملائكة، وماعداهم هم الشياطين .. !
عشرات الاسماء ممن ذهبت عنهم الاضواء وفاتهم قطار السلطة يتباكون الآن على زمنهم الذي لم يكُ جميلاً على النحو الذي يحاولون ايهامنا به .. بدليل أن صحائف أعمالهم لم تحمل منجزات يمكن أن تشفع لهم فاذا بهم يدعون المعجزات .. ويتباهون بأن من بعدهم كتب الشقاء على البلاد والعباد.
لا أحد يتوقع من مسؤولين سابقين اعترافات وانتقادات حقيقية .. فنحن مازلنا لم نتعلم بعد ثقافة أدب الاعتراف ونقد الذات .. مثلما يخلوا قاموسنا السياسي تماماً من “أدب الاستقالة ” و”فن الاعتذار عن مواقع تسند للبعض وهم يعلمون أنهم ليسوا في حجمها ولن يقدموا الحد الأدنى من مطلوباتها .. ومع ذلك وبدلاً من ممارسة الصمت على الأقل تجدهم يبحثون عن أية فرصة وتحويلها لمنصات يحاكمون من خلالها كل من حولهم وينصبون المشانق لمن جاءوا بعدهم أو جلسوا على مقاعدهم.
السياسة السودانية تفتقد إلى الذكاء وربما الخيال .. فحين تتاح لمسؤول سابق وبدلاً من أن يبادر بتقديم كتابه للناس معتذراً عن أوجه القصور وجوانب السلبيات فيجد بعض التفهم الذي يشفع له يسارع بفتح النار في كل الاتجاهات والأدلة على ذلك كثيرة من خلال مانقرأ في الصحف ونسمع في الاذاعات ونشاهد في الفضائيات وكل هذه الوسائط الإعلامية تشكر ولا تلام لأنها على الأقل تكشف لنا عن الطريقة الغريبة التي يفكر بها بعض المسؤولين السابقين .. وتفضح لنا بجلاء أنهم “يسقطون بامتياز في كل اختبارات الصراحة والشفافية ويهدرون كل فرص ابراء الذمة وطلب العفو والصفح !!
الذين كانوا بالأمس ملء السمع والبصر يصعب عليهم كثيراً استيعاب أنهم الآن خارج اللعبة وربما الزمن السياسي لذلك فهم عرضة لصدمات يومية؛ ورغم ذلك هذا لايشفع لأحد أن يخون حقيقته ويعترف أولاً بأخطائه وأولها إنه طالما كان راضياً عن كل شيء حين كان مسؤولاً فلا يجوز أن يثور لاحقاً على كل شيء بعد أن أصبح مسؤولاً سابقاً.
أسهل الاشياء على الاطلاق أن نرمي غيرنا بحجر لكن أصعبها أن نرمي أنفسنا .. فلحظة الحقيقة تحتاج لمقدار كبير من الشجاعة مثلما تستدعي التصالح مع الذات وربما التفهم لطبيعتنا كبشر خطاؤون؛ لكن توابون بالضرورة .. !!

[/JUSTIFY]
Exit mobile version