البرلمان، الواتس، الونسة والخدمة الوطنية

[JUSTIFY]حينما نسمع أصداء تنبثق من القبة الصفراء الفاقعة اللون (أقصد البرلمان) أو عن أعضاء هيئتها الموقرة، نلجأ لقولة حبوباتنا “يا كافي البلا” أو “سمعنا وسلمنا” ثم نعقتد اعتقادا راسخا أنها، جلها، من طراز ما يأتي من شاكلة عمكم (الملتحي المتعنفق … اللحية والعنفقة) دفع الله حسب الرسول المنادي بضرورة تعدد الزوجات، بغية دعم وزارة الدفاع وقواتها المسلحة بالرجال، أو ربما من شاكلة قرينه، عمكم أبو زينب، المرشح البرلماني (رمز الماسورة)، الذي طعن منافسُوه ضده لدى القضاء، بحجة أنه غير مؤهل للترشح، إذ أنه لا يفقه – حسب قولهم – فكّ الخط وهلم جرّ. نرى أمثلة كهذه والقائمة طويلة ثمّ نستعجب يا سادتي من رجوع البلد الصاروخي إلى الوراء، ذلك في كل المجالات!! يا حسرتي فإن هذا البلد “البقرتو دارّة” كان يوما ما عملاق أفريقيا المهاب، وسلّة غذائها المرتقبة؛ فمن سرّه زمن ساءته أزمان!
بيد أنه ومع إطلالة الخبر الأخير الذي ريثما أتممت قرأته حتى تبينت العكس أو بالأحرى قلت في نفسي: إنّ بعد الظن إثم! لذا ومن باب المصداقية ينبغي علينا أن ندرك بأن ربما هناك آخرون يهتمون لقضايا الساعة ولأمور جوهرية، تهم جلّ الشعب وترتبط ارتباطا وثيقا بمصلحة البلد؛ فمن هؤلاء من يجتهد بجديّة وهمّة فائقة لتسليط الضوء على بعض ما يقبع على صدور المواطنين من صخور ومن ثمّة يحاول أن يعكس ما يناقشه أولئك الفضلاء تحت أضواء القبة الصفراء. لا أكذب عليكم يا سادتي أنني وكلما تأتي أو استحضر سيرة هذه الصرح الراقد على ضفاف نيليه كالياء المقصورة على سطرها، تتبادر إلى ذهني قضايا ومشاكل نوقشت فيه من قبل وذاع صداها من هنا إلى كل أرجاء العالم العربي، وكأن أولئك الفضلاء – القابعون تحت لفحات التكييف المكثف – لا يكترثون إلا بمناقشة سفاسف الأمور من جهة، ومن جهة أخرى قضايا أعلنوا فيها الحرب على المرأة وحقوقها (تعدد الزوجات – زواج القاصر أو الطفلة – الختان الفرعوني، تحريم الرياضة للنساء – تحريم التظاهرات، الخ). الكل يعلم كل العلم أن عمنا دفع الله حسب الرسول (كبيرهم الذي علمهم السّحر) له أعظم الفضل في ترويج قضايا تهمه هو أكثر من غيره، كالحرب ضد المرأة وضد حقوقها التي وهبها إياها الله، السنة والذوق الحضاري السليم، باثا بها على الملأ. إليس هو من نادي بمنع رياضة النساء أو بالأحرى كرة القدم النسوية؟ أليسه الذي نادى بإلغاء حفل شيرين عبدالوهاب في استاد الخرطوم؟ والعجيب في الأمر أن كل مؤسسات الدولة قد نزلت عن رغبة عمكم دفع الله، كما وساندته هيئة علماء السودان، حيث تم إلغاء حفل شيرين في الخرطوم بعد حملة برلمانية استخدمت ألفاظا نابية، وأطلقت هيئة علماء السودان على الحفل لفظ “ماجن” وعللوه بإنه “يثبط الطاقات مع التعبئة العامة لتلبية واجب الجهاد”؛ أي تثبيط وأي بطيخ وأي تعبئة عامة لِعُلب فَقَدَت صلاحيتها بعد حَول وخريف؟!!
وهانحنذا يا سادتي نشهد صوت مخالف في البرلمان يصف الحال بالمزريّة ويضع النقاط فوق وتحت الحروف لما وصلت إليه الخدمة الوطنية في المؤسسات الحكومية من تدني أو لِنَقُل إنعدام الخدمة وبالتالي الوطنية بالمرّة. ولو إخذنا الجمارك کأنموذج حيّ لتساءل الكثيرون: أهناك خدمة في هذه المؤسسة عدا خدمة البَلَّاعات والبَلع الدائم لأموال الشعب وبيع الممتلكات الحرّة للمواطنين وعرضها في الدلالة “عينك يا تاجر”؟ “واسأل مجرب ما تسأل طبيب”، فكونتينر المدرسة الذي أرسلته بنفسي قدبيع في دلالة الله والرسول، وحتى كونتينر السيدة النمساوية الذي أُرجع تعسفا إلى ميناء النمسا بعد أن أرغمت السيدة بدفع رسوم ارجاعه التي تبلغ ما يعادل ثمانية آلالاف يورو قد وصل الى بلدها خاويا على عروشه يعني “على الحديدة” أو كما يقولون “أباطه والنجم”، وهذه بعض من الأمثلة. (نقول: إن شاء الله يدخل عليهم بالساحق والماحق يا رب. ).
موضوع كهذا يغضب ويطلِّع الدم لكل حادب ومحب لبلده يرجو أن تتقدم وأن يكون موطنه ضرب للمثل في النزاهة والعفة وعلو الهمّة. ما هو شغل المؤسسات الحكومية الشاغل بعد قراءة الجرائد والونسة والمواجبة في الأتراح والأفراح وتباريك الحج المبرور،والقعاد بالساعات حول ستات الشاي والجبنة في عرائن المؤسسات الحكومية وتحت أشجارها الوارفة أو حتى على هوامش طرقات المدينة؟ هكذا الحال فعندما تضيق، تتوالى الآفات، الواحدة تلو الأخرى. لقد ظهرت – منذ عهد زهيد – ولا تزال تأتي على الأخضر واليابس، هي آفة ابتُلينا بها والصمت يطبق علينا جميعا: الموبايل، الفيس، الواتس ولعب السوليتير (كوتشينة الحاسوب) ناهيك عن المعهود المعلوم من شاكلة القعاد عند ستات الشاي والهرولة لصلاة الجماعة ظهرا أو عصرا وقراءة القرآن أثناء ساعات الخدمة والوضوء وقطع الجمار ووو،الخ.
حقيقة، نحن في البيوت نايمين وفي المصالح الحكومية نايمين عن الواجب الوطني. بالعربي الفصيح كده يعني نوم زائد نوم يساوي حالة إغماء تام، والعلاج يتطلب النقل إلى غرفة الإنعاش المكثف؛ وربما يكون النور هناك قاطع أو نصادف إضراب الأطباء أو ربما يتواجد بين أفراد الفريق المعالج حفنة من السمكرجية الذين امتهنوا الطب سلفقة سااااااااااااكت ومَن حولهم لا يدرون. وعطبرة وما أدراك ما مستشفى “عض برّة”.
برافو لهذا النائب الصنديد الذي تصدى للتسيب الوطني، المجتمعي والمؤسسي على حد سواء، بيد أن هذه اللفتة أتت متأخرة – في الزمن الضائع – لأن السودان كله في حالة إغماء تام والوحيدين – في اعتقادي – الذين أو قل اللائي يدعكن ويَحْرِكنَ من صباح الرحمن إلى أن يسدل الليل أستاره على فضائحنا وسباتنا العميق، هنّ خادمات البيوت من بني الأُرومو من الحبشة. فلا تزال الأصوات تلاحقهم: “يا بت جيبي ال …، يا بت أمشي …، يا بت قومي …، يا ريحانة …، يا سميرة … يا خيبتنا”
أن مظهر الشارع العام يوحي بالحراك الخِدَميّ الحبشي – إن جاز التعبير – وحينما نتساءل أين الصغار الذين يذهبون إلى الدكان ليأتوا بالفولة المسؤولة للفطور أو عيش الغداء، تجدهم كلهم أمام التلفاز أو مع الحاسوب في الفيس أو كل واحد بحمّر في موبايلو مع الواتس والزبالة المرسلة من خمسمية واحد أو واحدة ما عندهم شغلة تنفع.
لقد شنّ النائب البرلماني علي مصطفى على الخدمة العامة (أعني اللاخدمة) هجوما ضروسا بأن الموظفين منشغلون بهذه الألعاب أو قافلين أبواب المكاتب متونسين – الواحد أو الواحدة – مع شاب أو شابة. وله الحق، هذا النائب أن يتساءل: عن أيّ جودة وعن أيّ إدارة يتحدث عنها هؤلاء؟
وأخذ النائب علي مصطفى على مداولات البرلمان وتقرير خطة وزارة التنمية البشرية والعمل في اتخاذ قرارات ليست بالمجدية في ضم العمل للتمنية البشرية وفصل الأثار وضمها للثقافة والإعلام. وهاهنا نرى التخبط المريع في القرارات التي تنبثق من علٍ بمبدأ أمسك لي واقطع ليك: (أقلع ده وخت ده وكأنها حلّة كوارع يُسبكها الطباخ بمزاجه، مرّة خُت دكوة ومرّة أدفق أمبوالة، مرّة خت فشفاش ومرّة أضغطها دِلِّيخ مع أم فِتفِت، حسبي الله ونعم الوكيل.
المتمعن الفاحص ذو النظرة الثاقبة لابد أن يرى ومن أول وهلة هذا التخبط. إن الآثار لها ثقل ومكانة خاصة سيما في بلد ضربت عروق حضارته في باطن أقدم العصور، فكيف بربكم توضع مع الثقافة والإعلام؟ أفتكر يا سادتي – نعمل طبخة تانية – من الأجدر أن نشيل الآثار ونضع البترول محلها، أو ما رأيكم، نضم وزارة الدفاع بالنظر للتربية والتعليم، أو نشيل التخطيط العمراني ونضعه مع الغابات؟ ما هي كلها بليلة، ولا مش كدة؟
وفي هذا السياق ناقش نائب آخر، يدعى أحمد خشم الموس (اسم على مسم)، قضايا لا تقل أهمية عن ما طرحه السيد علي مصطفى، ألا وهي ترسيخ مفاهيم قيمة الوقت وتوطيد أسس للانضباط وتحمل المسؤولية وتنزيلها في برامج التدريب المهني وفي الأول والآخر الاهتمام بالمواطن طالب الخدمة ومن هناك ينبغي ضبط وتشديد الرقابة على المؤسسات. ونحن نقول من خشمكم إلى باب القصر أقصد باب السماء. [/JUSTIFY]
Exit mobile version