منى عبد الفتاح : بشّار ومتلازمة الإنكار

[JUSTIFY] لا تنفصل حالة الإنكار عن كونها حالة نفسية تقوم على مبدأ التلذذ بالانفصال عن الواقع والأحداث من حول الشخص المُنكِر، لعدم تحمله لها. ونظراً لما يقوم به أغلب الساسة، مما يشيب له الولدان لدرجة عدم تصديقهم الشخصي له، فقد أصبح الإنكار صفة ملازمة لطغاة الحكم والسياسة العربية. فالسياسي يحاول تجاهل الحقائق والوقائع السياسية ويزيد على ذلك أنّه يتوهم أحداثاً بديلة تحل محلّ الواقع الذي يعايشه كل الناس سواه. وإنكار واقع الحال السياسي هو المحصلة الأساسية لعدم العقلانية السياسية، لعلّ أبرز مثال لها هو ما يبدر من الرئيس السوري بشّار الأسد طوال سنوات الحرب في سوريا والتي أخذ يغذيها بعنفه ويحتملها ببروده المعهود، بل يجبر غيره على احتمالها وتصديق أنّ ما يجري في الداخل السوري هو شيء مختلف عمّا يراه الناس ويعايشونه لحظة بلحظة.
وبتوصيف بليغ ذكر الصحفي الأمريكي الذي أجرى لقاء مؤخراً مع بشار الأسد لمجلة الشؤون الدولية (Foreign Affairs )، أنّ الثقة الصادمة التي يتحدث بها الرئيس السوري تضعه في حالة مماثلة لهتلر عندما كان مختبئاً في الملجأ وكان الروس على بعد ساعة فقط عن برلين، ولكنه كان يؤكد لجنرالاته أنّ ألمانيا ستربح الحرب. وليس من الحكمة استبعاد الاحتمال الأول الذي وصف فيه الصحافي «بشّاراً» بأنّه كاذب من الطراز الرفيع وبهذه الحالة فهو «سوسيوباث» (معتل اجتماعياً).
وهذا الانطباع يتركه الرئيس السوري عند كل من يقابله من الصحفيين والسياسيين، وهي حالة من البرود نتيجة الاستغراق في الإنكار وتجاهله معطيات الحرب وواقعها الأليم، رغم أنّه فاعلها ليقنع نفسه بأنّه رجل سلام، وأنّ الشعب السوري تحوّل فجأة إلى أعدائه، وتفترض عليه مسؤوليته من سوريا أن يحميها منهم. ففي ردوده على أسئلة مراسلة صحيفة «صنداي تايمز» في لقاء سابق حين ذكرت له أنّ هناك أكثر من 70 ألف قتيل قد سقطوا في البلاد، طالب الرئيس السوري بمعرفة أسماء القتلى حتى يتم تحديد كيف ماتوا. وحين حاولت المراسلة العودة إلى ذلك السؤال من خلال الحديث عن طفل من درعا فقد ساقه ويده وهو الآن لاجئ في الأردن مع عائلته، سألها الأسد «هل هو سوري؟» ورغب في معرفة اسمه. فماذا تنفع الأسماء وتحديد أعدادهم إذا كانت تتوجه إليهم مدرعاته وكيماوياته ككتل صماء يأخذها الموت دون فرز وبالجملة.
وكحال كل الحكام المستبدين، تُصمّ آذان بشّار عن صراخ السوريين الآتي من حمص ومن ريف دمشق، ويتعامى عن رؤية الصور الحيّة المدعّمة بالأدلة والبراهين. وهذه الحالة تكون لشخص تحدث الأشياء من حوله من غير أن يكون له يد فيها، فحالة الإنكار النفسية هي تجاهل الإنسان لواقعه الأليم وتصوره العكس بما يرضيه فقط. فإن كان مريضاً يتخيل نفسه موفور الصحة وإن وصل من العمر عتيّاً تخيل نفسه شاباً يافعاً. أمّا في حالة بشّار فتتفاقم حالة الإنكار لما يفعله بيديه أيضاً. يستخدم أنواعاً من الأسلحة الكيميائية ضد السوريين، ويمارس التقتيل والذبح والتنكيل وحرق المدن بما حملت ويواصل في إنكاره بأنّ ما يحدث ليس بصحيح.
ما يُعرف عن الأسد بخلاف وحشيته هو سخريته من الشعب السوري ومن المعارضة وتصنيفه لها بطريقة كاريكاتورية واصفاً إياها بالإرهاب. وتهكمه الذي يرمي إلى ضرب من يقف قبالته مهما يكن وتصويره كخصم يجب التخلص منه بإظهار ضعف وسذاجة من حوله، مقابل تفوقه عليهم وإظهار ذكائه. والمتابع للقاءاته المصنوعة صنعاً للاستهلاك المحلي، يلحظ أن تصريحاته أظهرت ومنذ بداية الأزمة التي عصفت بسوريا، نوعاً من إتقان الإنكار، ليس للتنصل من المسؤولية لأنّه لا يعدّ نفسه مسؤولاً أمام أحد، ولكنه يكابر ويزيد من حالة الاعتداد بالنفس بشكل مرضي، وما زال يتحرّى ذلك النوع من المكابرة التي تصوّره كمنقذ لشعبه من سلسلة التآمر الخارجي، وتزداد الحيرة عندما يسأل: لماذا لا يقدّر شعبه ما يقوم به من أجلهم!
[/JUSTIFY]
Exit mobile version