أشياء كثيرة في السودان، لم تعد تثير الدهشة، رغم غرابتها وشذوذها.
هذه الصحيفة، قبل ثلاثة أيام، عرضت في صفحتها الأولى، صوراً لاشتباكات وعراك، تمَّ بين مجموعات بسباق الخيل، وذكرت أن إطلاق نار قد تم في ذلك الصراع الموثق بالصور!
الأمر الطبيعي والعادي في الدول التي تحترم القوانين، وتحرص على الحفاظ على السلامة العامة للمجتمع؛ أن مثل هذه الأحداث التي تتم في ساحات عامة ووسط جمهور؛ تقتضي المُساءلة العاجلة، وتستدعي التحقيق الفوري، من قِبَلِ جهات الاختصاص.
جهات الاختصاص في هذه القضية، هي وزارة الشباب والرياضة، وقبلها السُّلطات المسؤولة عن الأمن في الخرطوم.
كنت أتوقَّع بمجرد نشر الخبر مصحوباً بالصور، أن تقوم جهة ما بإصدار أمر بإيقاف النشاط مؤقتاً بسباق الخيل، إلى حين استجلاء ما حدث.
-2-
لم تكن تلك هي السابقة الأولى في استخدام المُسدَّسات في صراعات سباق الخيل، ولن تكون الأخيرة، طالما لا توجد مساءلة ولا عقاب، لهؤلاء الذين يُقدِّسون الخيل، ويستهترون بأرواح البشر!
لن يستطيع أيُّ فرد عادي بالمجتمع، في مشاجرة في إستاد كرة قدم، أن يُشهر سلاحاً نارياً، ويُطلق رصاصاً في الهواء، دون أن يتحمَّل المسؤوليَّة القانونيَّة لفعله ذلك.
في المقابل، بإمكان أحد أثرياء سباقات الخيل، أن يُطلق عشر رصاصات أثناء مشاجرة، ويعود إلى منزله دون أن يقترب منه أحدٌ بسؤال!
-3-
القصص والحكاوي التي تُروى عن التنافس في مناشط الفروسيَّة، والصراعات بين مراكز القوى، واستعانة كل مجموعة بعصبة من الفُتوَّات؛ يُستنجد بها عند الحاجة مثل ما حدث قبل أيام، ورصدته كاميرا مصوِّر (السوداني) المُبدع سعيد عباس؛ كل ذلك يؤكد أن هذه المنطقة مُحرَّرة من سلطة القانون ورقابة المجتمع.
أثرياء سباق الخيل، يتصارعون على طريقة العصابات الإيطاليَّة.. الصراع عبر الوكلاء.. كل ثريٍّ له مجموعة قتالية، تحضر مع الإشارة ورنَّة جرس الموبايل.
الكبار بجلابيبهم البيضاء وعماماتهم الناصعة، يتفرَّجون على صراع الفُتوَّات من على البعد، وكأنهم يشاهدون سباقاً للخيل، أو معركةً بين ديوك!
-4-
قصة استمعت إليها من أحد المتابعين لمناشط الفروسيَّة، جعلتني أصِلُ لقناعة بأن ما يحدث هناك، أمر شاذ وغريب، ولكنَّه يتم باعتياد مريب وتواطؤ صامت.
أخبرني من أثق به، وهو قريب من عوالم سباقات الخيل، أن أحد الكبار مُنَعَ بقرار إداري من دخول ساحة السباق؛ فإذا به يفاجئ الجميع وهو يتابع السباق عبر طائرة هيليكوبتر من فوق رؤوس الجميع!
-5-
قناعتي الشخصية، أنه لن تجرؤ جهة على السعي لضبط الأوضاع المنفلتة بسباق الخيل، إلا بعد وقوع حادث مأساوي دامٍ، مترتِّب على الصراعات العابثة التي تَتِمُّ هناك.
للأسف، أجهزة الدولة أصبحت لا تستجيب لمؤشرات الخطر في درجات الإنذار، إلا بعد وقوع الفأس على الرأس، واندلاق الزيت على النار![/JUSTIFY]