*كان يملك من متاع ( الدنيا) فرشاً مهترئاً ، وإبريقاً (مُطفَقاً) ، وثياباً رثة ، و(بقجة) مهلهلة..
*لم يكن متسولاً – محترفاً – رغم إن حاله كان يُوحي بذلك …
*ولكن إن جاد عليه شخص بشيء ما فإنه ما كان يرفضه …
*ما كان ينطق أبداً ؛ فإن فعل فلا يزيد عن كلمة واحدة هي ( دنيا ) …
*ولم نكن ندري ما يعنيه بمفردة (دنيا) هذه …
*هل كان يسخر ، أم يتحسر، أم ( يتفلسف) ؟! …
*وبما أننا كنا طلاب فلسفة – آنذاك – فقد أعجبنا أن نرجح الاحتمال الأخير هذا فسميناه ( الفيلسوف) ..
*فكلمة ( دنيا) – وفقاً للطريقة التي كان ينطقها بها – لا يمكن أن تصدر إلا عن متفلسف ..
*فربما رأى من ( الدنيا ) هذه ما جعله ملازماً لميدان محسوب إسمه على شعوب (الدنيا ) كلها ..
*وربما لم يكن (يضحك) – حسب الحكمة الشعبية المعروفة – فلم ( تضحك الدنيا معه !) ..
*وربما حدث له في دنيتنا هذي – أو دنيانا وقتذاك – مثل الذي حدث لزميل لنا ( بعثي) فأضحى منتظراً يوم ( البعث) من أجل (القصاص!) ..
*أو ربما تنكرت له (الدنيا) كما تنكرت لزميل لنا- آخر- فتاة إسمها ( دنيا) فكاد أن يحجز لنفسه مكاناً بجوار الذي أقام فيه هو نفسه ..
*وأياً ما كان السبب الذي جعل من رجلنا ذاك فيلسوفاً ( أممياً) يردد كلمة ( دنيا) فإنه ما عاد مهموماً بـ(الدنيا !) ..
*وصفة ( أممي) نعني بها هنا انتساب الموصوف إلى ميدان الأمم المتحدة ..
*ولكن ( المحلية) قد تكون أحياناً هي الطريق نحو( الأممية) – أو العالمية – كما حدث لروايات أديبنا الطيب صالح ..
*أما ( دنيا) أديبينا المحجوب وعبد الحليم – التي أماتاها – فقد طبقت شهرتها الآفاق رغم جهل الناس بالاسم الحقيقي لـ(الدنيا) تلك ..
*وربما سمياها كذلك لأنهما رأيا منها نحواً من الذي جعل فيلسوف الأمم المتحدة لا ينطق بسوى كلمة ( دنيا) ..
*وصباح يوم فوجئ الناس باختفاء صاحب كلمة (دنيا) هذه عن (دنيانا) …..
*اختفى تماماً ؛ بفرشه وإبريقه و(بقجته) …..
*هو شيء مثل (موت دنيا) لدى كل من المحجوب وحليم ….
*وعقب اختفائه ذاك بيوم واحد القى النميري خطابه (الاستفزازي !) االشهير قبيل سفره إلى أميريكا ..
*وضرب الناس أكفاً بأكف وهم يدمدمون غضباً ( دنيا والله !) …
*ثم ( ثاروا)……………… و(ثأروا) ..
*ولكن فيلسوفنا لم يُر بعد ذلك أبداً ……
*وما جعل الناس يفتقدونه – بعد الثورة – هو تشوقهم لسماع كلمة (دنيا) ..
*فقد كان ذلك هو وقتها تماماً على وقع موسيقى تصويرية لأغنية ( إنت يا مايو الخلاص ) ..
*فهي باتت تُقرأ : انت يا مايو ……………(خلاص!) ..
*ودنيا …………..!! [/JUSTIFY]