بعد «27» عاماً.. تسابيح تعود إلى حضن أمها

ما حل بـ «تسابيح كمال الدين» ليس فصلاً من رواية أو قصة لفيلم من الأفلام المصرية القديمة «أبيض وأسود»، إنما حقيقة وواقع، لكن رغم ذلك وعند استماعك لصاحبة القصة ستهتف قائلاً: «إنها قصة أغرب من الخيال»، وقد اجتاحتني في لحظة واحدة أحاسيس متناقضة ما بين الذهول والحيرة والدهشة الى الاستنكار، ثم الابتسامة المختلطة بالدموع، فالقصة إنسانية بمعنى الكلمة وعظة لكل من يعتبر، وربما يستغرب القاريء اذا عرف أن للقصة أبعاداً أخرى حدثت قبل سنوات وسمع بها كل أهل السودان.

للذكرى طعم النحيب:

تعود «تسابيح» بذاكرتها للوراء الى «27» عاماً كانت بداية لمأساتها، وقد كان عمرها قرابة العامين وهي تلعب تحت أقدام أمها «ز.خ»…

ونعود الى تسابيح التي تقول وحسب ما ذكره لها الأهل، إن ذلك اليوم بدأ عادياً وكانت تلعب مع أختها- غير الشقيقة- أزاهر البالغة من العمر «7» سنوات، وكانت الأم تقوم بعملها اليومي المعتاد في البيت وبجانبها إحدى الجارات.. وقد طلبت زينب من تلك الجارة أن تبقى مع بناتها لدقائق لإحضار غرض ما والانتظار الى حين عودتها، تقول تسابيح إن أمها خرجت ولم تعد والدقائق امتدت الى «27» سنة.

رحلة البحث عن «الأم»:

بدأ الأهل في البحث عن زينب في كل أنحاء السودان وامتد ذلك الى شهور لكن كل المحاولات باءت بالفشل ولم يعثروا لها على أثر، ومرت السنون بحلوها ومرها وكبرت تسابيح وبدأت تبحث هي الأخرى، أما أختها أزاهر فقد جابت كل ولايات السودان ولجأ الأهل لعدد كبير من الشيوخ الذين أجمعوا على رأي واحد رغم اختلاف مناطقهم وانتماءاتهم، قالوا «إن إحدى النساء استخدمت السحر وعملت-عمل- لزينب وإن الأخيرة لن تعود الى بيتها إلا في حالة واحدة وهي موت تلك المرأة سواء عاشت شهراً أو عشرين سنة، لأن السحر لن يبطل إلا بموتها».

بداية النهاية

قبل ثلاثة أسابيع من الآن كانت تسابيح تشاهد أحد البرامج في قناة سودانية يهدف إلى تواصل السودانيين مع السودانيين في الداخل والخارج، وكانت قد وصلتها معلومات تفيد بأن والدتها عاشت في المملكة العربية السعودية وعملت فيها – سستراً- لمدة (16) عاماً، وبالفعل اتّصلت وحكت قصتها في البرنامج المباشر وبعد مضي ساعة من تمرير رقم هاتفها على الشريط توالت عليها الاتصالات خاصة من الإخوة السودانيين في السعودية الذين أبدوا تعاطفهم معها وهناك من تبرع بإرسال إقامة حرة لها وتكفل بكافة المصاريف لتبحث عن والدتها.

وبعد يومين من بث البرنامج توقفت عربة أمام منزلها حيث تقيم مع والدها وإخوانها من أبيها وذكر صاحب العربة أنه قد جاء من (أم روابة) بعد استماعه للبرنامج ويرغب في رؤية صورة لأمها وبالفعل عندما رآها أصابه الذهول وأكد أنه يعرفها وأنها تعيش بجوارهم منذ (11) عاماً، وتعمل في مستوصف المنطقة وهي امرأة فاضلة ويعرفها الجميع هناك، وبالفعل غادرت تسابيح مع ابنة خالها التي تكبرها في السن والتي تعرف خالتها جيداً إلى أم روابة، وكان (….) قد أخبر الحاجة زينب بأنه عثر على ابنة اختها وأخفى عنها وجود تسابيح وعندما رأت زينب ابنة أختها بدت وكأنها أفاقت من غيوبة امتدت (27) عاماً وشهد اللقاء كل جيرانها في الحي وزميلاتها في العمل وقد أجهشوا بالبكاء خاصة بعد أن أخبروها أن ابنتها على قيد الحياة، وهنا قالت تسابيح أحسست بالشلل ولم استطع التحرك من العربة وعندما دخلت المنزل وتعانقنا أنا وأمي وسقطنا عدة مرات أجهش كل من رآنا ببكاء هز أركان المدينة.

وأخيراً كشفت الحقائق عن أن وراء اختفاء والدة تسابيح ذات المرأة التي كانت قد اعترفت في برنامج ديني قبل سنوات في التلفزيون القومي بأنها قد عملت «عمل بالسحر» ووضعته في فم إحدى النساء المتوفيات حسب رغبة الساحر في دفن العمل بالمقابر وطلبت من الشيخ كيفية توبتها بعد أن أكدت ذهابها إلى بيت الله للحج وعدم تمكنها من الدخول أو رؤية المكان، وبعدها عاشت تلك المرأة (27) عاماً لكنها توفيت قبل ثلاثة أسابيع وهو نفس اليوم الذي وجدت فيه تسابيح والدتها

Exit mobile version