أنا الدولة

:: حكم فرنسا بقبضة حديدية نصف قرن، ولم يكن له برلماناً ولا مجلس وزراء ولا قانون إلا في إطارهم الشكلي غير النافذ في صناعة القرار ولا المؤثر في مسار الدولة..وعندما طالبت بعض مناطق فرنسا بدولة المؤسسات والأجهزة والقوانين تنظم حياة الناس ، رفض الطلب وصاح فيهم غاضباً : ( أنا الدولة، والدولة أنا)، وصارت كلماته هذه أشهر ما قيلت في عدم إحترام الآخر، جهازاً حكوميا كان أو قانوناً أو شعباً..لويس الرابع عشر، ملك فرنسا، لايزال المثل الأعلى لبعض سلاطين هذا الزمن ..!!

:: وعلى سبيل المثال..بتاريخ 23 مايو 2014، وعبر اتحاده الرياضي، كان السودان على موعد لتنظيم البطولة العربية لألعاب البليارد بمشاركة (19 دولة).. فالبلياردو رياضة إنتشرت – في السنوات الاخيرة – في الأوساط الشبابية والطلابية، ولها اتحاد ومحترفين وهواة وجمهور كأي رياضة أخرى، أي ليس رجسا من عمل الشيطان.. الكويت والبحرين و عمان من الدول التي نافست السودان في تنظيم البطولة، ولكن نالها السودان بالإقتراع الحر..كل تكاليف رحلات وإقامة وإعاشة الوفود المشاركة تتحملها دولها، وهى مقدرة ب ( 400 مشارك)، فيهم اللاعب والإداري ..وما على السودان إلا تجهيز قاعات الملعب، وتم تجهيزها بقاعة الصداقة ..!!

:: ولأن السودان حديث عهد بهذه الرياضة، ويفتقر إلى المعدات والأجهزة، ساهم الإتحاد العربي بما نسبتها (70%) من قيمة الأجهزة والمعدات، وحولها إلى الشركة المتخصصة في صناعتها.. وبعد رفض المالية والبنك المركزي تحويل متبقى المبلغ ( 30%)، اشترى الاتحاد المحلي الدولار من السوق الأسود وحول ما عليه – 30 % – إلى الشركة، وكل المبلغ (100.000 دولار).. صنعوها وشحنوها، فوصلت حاوية المعدات إلى بورتسودان بتاريخ 5 يونيو 2014، أي بعد الموعد المحدد للبطولة بشهرين، وذلك بسبب تلكؤ المالية والبنك المركزي قبل رفضهما..ورغم أن هذا العذر أقبح من الذنب، وافق الإتحاد العربي – وسط إحتجاج دول الأعضاء – على تأجيل البطولة إلى أكتوبر 2014..!!

:: وقصد الاتحاد السوداني للبلياردو بوتسودان – لإستلام المعدات الرياضية – متأبطاً قانون هيئات الشباب والرياضة وما فيه من النص : ( تعفى هيئات الشباب والرياضة في إطار السياسات المالية للدولة من الرسوم الجمركية المستحقة على الأدوات والمعدات والاجهزة الشبابية والرياضية المستوردة)، هكذا نص المادة (27/أ) من القانون الساري حالياً في البلد ، والمجاز من قبل برلمان دفع الله حسب الرسول.. وهناك بالميناء، رغم أنف القانون والبرلمان، تفاجأ الإتحاد السوداني برسوم جمركية – على المعدات الرياضية – قيمتها (243.000 جنيه).. خاطب الاتحاد وزارة الشباب بالأمر، أي ذكرها بأن القانون يعفي هذه المعدات من الجمارك.. فتذكرت وزارة الشباب أمر الإعفاء القانوني، وخاطبت وزارة المالية، أي ذكرتها أيضا..!!

:: وتذكرت وزارة المالية أمر الإعفاء الجمركي، ولكنها ردت للاتحاد على لسان مدير مكتب ( الوكيل إعتذر)..عفواً، لم يعتذر الوكيل عن فرض رسوم غير مشروعة على المعدات، بل أعتذر عن تطبيق القانون.. واليوم، منذ 5 يونيو 2014، الجمارك تطالب الاتحاد السوداني برسومها و الموانئ تطالب بغرامتها، وكلها تقترب إلى (300.000 جنيه)، هذا أو يجب مصادرتها وبيعها في (دلالة كبرى)..ولكن الأدهى، الإتحاد العربي يطالب الاتحاد السوداني بأعادة تصدير المعدات أو سداد قيمتها الكلية (100.000 دولار)، وذلك بقناعة أن السودان إحتال عليهم و نال نسبة مساهمة – لا يستحقها – في قيمة المعدات (70%)، ولم ينظم البطولة..كل هذا لأن وكيل وزارة المالية يتحدى القانون قائلاً : ( أنا الدولة والدولة أنا).!!

Exit mobile version