> ويزيد من حرارة السجال الكلامي الجنوبي، وخاصة من أبناء أبيي من دينكا نقوك، إنهم يتهمون رئيس الدولة سلفا كير بعدم الاعتراف بنتائج الاستفتاء الأُحادي الذي أجروه من طرفهم في أكتوبر 2010م حول تبعية المنطقة، بينما تحاول الجهات الرسمية في دولة الجنوب ومفوضية الانتخابات لجنوب السودان تبرير ذلك وعدم الربط بين قضية الاستفتاء القبلي لدينكا نقوك، وقضية تخصيص دائرة في الانتخابات لمنطقة أبيي.
> ستكون هذه المنطقة محل خلاف وتجاذب، برغم تأثيرات الظرف السياسي على تفاعُلاتها. فدولة الجنوب التي تُعاني من أوضاع أمنية متوتِّرة وحرب داخلية لم تُحسم بعد حتى بعد اتفاق أروشا التنزاني، لا تريد في الوقت الراهن إثارة حفيظة الخرطوم وفتح جبهة جديدة من الصراع السياسي والمواجهات العسكرية حول هذه المنطقة.. ولا يبدو أن الرئيس سلفا كير متحمِّساً في هذه اللحظة لترضية مواطني أبيي، لسببين رئيسيين، أولهما أن القيادات السياسية والعسكرية من أبناء أبيي، وقفت ضده وساندت تمرد مشار عليه، وأصبح بعضهم من القادة العسكريين والسياسيين لمجموعة مشار. وثاني الأسباب إن دينكا بحر الغزال ينظرون في هذا الصدد الى أنه لا يمكن مكافأة دينكا أبيي لخذلانهم سلفا كير في محنته، هذا بالإضافة لعوامل وأسباب تاريخية واجتماعية عميقة الأثر وحاضرة بقوة في السياسة الجنوبية.
> وبالنظر الى هذه القضية المعقَّدة والوضع(اللامنتمي) للمنطقة، وفشل الاتفاق حولها الذي أُبرم في 2011م والإخفاق في تكوين المجلس التشريعي ومؤسسات الحكم المدني للإدارية والشرطة المحلية وبدء التنفيذ الفوري لبنود تم إقرارها والتفاهم حولها من قبل، فإن أبيي ستظل كما هي دون حل، ولا يتجاسر أياً من الطرفين الحكوميين في الخرطوم وجوبا على القفز فوق الواقع الماثل هناك، وستظل التدابير والإجراءات الحالية كما هي بما في ذلك الهوية المزدوجة لدينكا نقوك، وتمسُّك كل طرف بموقفه المُعلن حيال تبعية المنطقة. ومع أنَّه سبق أن تم رفع كل ما يتعلق بهذه القضية لتكون بين يدي الرئيسين فقط، فإنه من ذلك الوقت تضاءلت الآمال الجنوبية خاصة من دينكا نقوك الموالين لجوبا في حسم تبعيتهم لدولة الجنوب، بينما انتعشت آمال عند ذات المجموعة التي ترى بضرورة وجودها ضمن حدود السودان والعيش مع المسيرية أصحاب الأرض الحقيقيين، ولن يتسرَّب شكٌ لدى المسيرية ومجموعات مؤثِّرة من دينكا نقوك، بأن أبيي طال الزمن أم قصُر ستكون ضمن حدود جمهورية السودان.
> ويبدو أن الخلاف العميق بين أبناء دينكا نقوك حول المقترحات والأطروحات المتعلقة بالحلول، وتفاقم أكثر بعدم تحقيق وفد منهم زار الأمم المتحدة في العام الفائت في شهر أكتوبر أثناء اجتماعات الجمعية العامة، أية نتائج إيجابية في تحركاته واتصالاته، وزاد من ذلك التباعد في وجهات النظر وتقدير الخطوات المقبلة، الاختلاف بين ذلك الوفد والمندوب الدائم لدولة الجنوب لدى الأمم المتحدة السيد فرانسيس دينق الذي قدم لمجلس الأمن الدولي ورقة تتضمن مقترحاً للحل مؤداه النهائي أن تُترك القضية للحل المجتمعي بين قبيلتي المسيرية ودينكا نقوك، ولم يُعجب هذا المقترح أطراف دولية داخل مجلس الأمن الدولي، وقامت هذه الأطراف بترتيب زيارة أبناء دينكا نقوك للأمم المتحدة ولمقابلة مسؤولين في الإدارة الأمريكية أيضاً، لكن تلك الزيارة لم تُثمر شيئاً.
> إذا كانت كل هذه التطورات ستنعكس على الأوضاع العامة في المنطقة وعلى حكومة جنوب السودان وتعاطيها مع وضع أبيي ومستقبل الحركة الشعبية الحاكمة في الجنوب وتماسُّكها بعد أن كان لأبناء دينكا نقوك دور حاسم فيها، فإنه يلزمنا هنا في السودان التعامل مع هذه القضية بوضوح تام وإبعادها عن المساومات السياسية مع جوبا، وفي ذات الوقت الإسراع في حلها حلاً نهائياً..[/JUSTIFY]