د. ياسر محجوب الحسين
كان الأسبوع الماضي أسبوعاً عاصفاً على أهل دارفور المكلومين؛ إذ انفجرت خلافات حادة بين رئيس حركة التحرير والعدالة التيجاني سيسي وأمينها العام بحر إدريس أبوقردة وهي الحركة الرئيسة من بين الحركات الموقعة على اتفاقية الدوحة لسلام دارفور.. القياديان تبادلا عنفا لفظيا غير مسبوق، وفي خطوة عبثية محيرة اتخذ كل منهما قرارا بإقالة الآخر؛ فالسيسي يستند إلى المجلس الرئاسي لحركة التحرير والعدالة بينما يستند أبو قردة إلى مجلس التحرير الثوري المركزي الانتقالي للحركة.. ودارت بينهما “حرب” مؤتمرات صحفية وحفلت الصحف بالاتهامات المتبادلة حتى أصبح اليأس قيدا يخنق الأمل في أهل دارفور وغدت أحلامهم الوردية بالسلام والاستقرار تزوي وتضمحل في وهج صراع الأخوة الذي يستعر لهثا وراء النفوذ والمناصب، ألا ليت شعري والخطوب كثيرة، كم يسخر الناس اليوم من مسرحيات السياسة والسياسيين.. لم يستطع قادة دارفور حتى اليوم سبيلا إلى حد أنى من التوافق يدفعون به غوائل الفتنة ونذر الشّر.
ما يشيع الأسى على ما يجري أن الناس في دارفور قد بنوا آمالا عراضا على اتفاقية سلام دارفور ولم يبق على انتهاء فترة السلطة الإقليمية لدارفور سوى ستة أشهر حسب ما نصت عليه الاتفاقية، وفي هذا التوقيت الحرج يخرج على الملأ الأمين العام لحركة التحرير والعدالة أبو قردة ووزير الصحة في الحكومة المركزية في الخرطوم ليشن هجوماً لاذعاً على السلطة الإقليمية واصفا أدائها بالضعيف و(المخرمج)، كما اتهمها بعدم توظيف الموارد التي خصصت للتنمية على الوجه الأكمل.. وتلى ذلك حدثا أكثر درامية عندما منع أفراد يتبعون لجيش حركة التحرير والعدالة منعوا أبو قردة من إقامة ندوة سياسية كان ينوي التحدث فيها بنيالا إحدى كبريات مدن إقليم دارفور ذلك بعد أن قام أحد الأفراد بانتزاع (المايكرفون) بعد تلاوة القرآن الكريم بحجة أن لهم رسالة يريدون إيصالها وسط هتافات وضجيج من المؤيدين له الأمر الذي اضطر معه الأمين العام أبو قردة لإلغاء الندوة والخروج مباشرة من القاعة بأمر من أفراد حراسته الخاصة بعد أن شهدت القاعة الندوة ملاسنات كادت تتحول إلى اشتباكات.
يبدو أن الخلافات بين رئيس حركة التحرير والعدالة والأمين العام للحركة بقيت مكتومة، حيث كان لكل واحد منهما رؤية مختلفة لمسار الحركة السياسي والعسكري. ولم يعلما أن الاختلاف السياسي سنة ماضية ولا يمكن أن تتفق آراء شخصين وتتطابق يوما وإلا فإن تطابقت فلا داعي لأحدهما لأن واحدا منهما يكفي بيد أنه مع اقتراب موسم الانتخابات انفجر بركان الخلافات عندما حاول الغريمان كل على حدا إنهاء إجراءات الحركة، المفضية إلى تحولها إلى حزب سياسي. ومن جانبه اتخذ السيسي خطوات بشأن الترتيبات الأمنية وتسجيل الحركة مما وسع الهوة بينه وبين أبوقردة العام. الذي وصف ما اتخذه السيسي بالخرمجة، متهما اياه بفبركة إرسال خطاب لتسجيل الحركة كحزب بدون علم الآخرين. ورد أبوقردة بتكوين حزب وسافر من الخرطوم إلى دارفور متحسساً مواقعه وسلطاته، ليصطدم بأول مواجهة حينما حاول التحدث في الندوة المشار إليها حيث إعترضه أفراداً محسوبين على السيسي.
أخطر ما في الأمر أن البعض لا يعزو الخلاف إلى مسألة تنظيمية بل يشير إلى أبعاد إثنية فهو يأتي حسب رأيهم في إطار صراع النفوذ القبلي القائم في دارفور، فأبو قردة يمثل قبيلة الزغاوة في السلطة الإقليمية، بينما يمثل السيسي قبيلة الفور. وتمت الإشارة إلى أن جماعة أبوقردة اتهموا السيسي بتسخير وظائف السلطة الإقليمية لصالح أبناء الفور.. كما يشير البعض إلى التركيبة المعقدة لحركة التحرير والعدالة إذ أنها حركة تكونت من (19) فصيلا مسلحا ويصف أبوقردة حال هذه الفصائل بأن بعضها لديها وزن كبير ووجود عسكري ووجود سياسي وهناك فصائل أقل من ذلك..
لكن أيضا هناك تباينا واضحا في الخلفيات التي بنى كل طرف عليها خبرته السياسية؛ فأبوقردة عسكري ميداني بالدرجة الأولى بينما السيسي مدني بالدرجة الأولى.. وكان أبوقردة رئيساً لما يعرف بالجبهة المتحدة للمقاومة والمنسق العسكري لعملياتها، ومن ثم أصبح نائباً لرئيس حركة العدل والمساواة التي يقودها الراحل خليل إبراهيم وبعد اختلافه أعلن مع آخرين تشكيل فصيل مسلح يدعى حركة العدل والمساواة القيادة الجماعية. فيما يعتبر التجاني السيسي من القيادات المحسوبة على حزب الأمة القومي بزعامة الصادق المهدي، وسبق أن كان حاكماً على إقليم دارفور عينه الصادق المهدي إبان رئاسته للوزراء وللسيسي علاقة وثيقة بالمؤسسات الدولية وعمل بالأمم المتحدة.
ومعروف أن حركة التحرير والعدالة وقعت مع الحكومة السودانية على وثيقة سلام دارفور بالدوحة في العام ،2011 وشملت الوثيقة سبعة محاور حول التعويضات وعودة النازحين واللاجئين واقتسام السلطة والوضع الإداري لدارفور واقتسام الثروة وحقوق الإنسان، والحريات الأساسية والعدالة والمصالحة والوقف الدائم لإطلاق النار والترتيبات الأمنية النهائية، وآلية التشاور والحوار الداخلي وآليات التنفيذ.. حتى هذه اللحظة تبدو حكومة الخرطوم حائرة فيما يجري وقد تقدمت بوساطة خجولة بين الطرفين إلا أن فرص نجاحها لا تبدو كبيرة في ظل انشغال الحكومة بقضايا عديدة تمسك بتلابيبها، وربما يتطلع أهل دارفور إلى الدوحة لتقوم بدور ما يطفئ نيران الخلاف ويبعد شبح تعسر تنفيذ الاتفاقية الأمل الوحيد لحل أزمة دارفور في الراهن السياسي المعقد.
yasirmahgoub@hotmail.com[/JUSTIFY]