> يبقى فريق الحوار الوطني المسمَّى «7 + 7» هو طريق عودة الترابي للكثير حتى ولو تعذرت العودة للكثير أيضاً. فلا عودة طبعاً إلى ما نسفته منه قرارات الرابع من رمضان المجيدة.. التي كانت هي بمثابة حركة تصحيحية لمسيرة حكومة الإنقاذ الوطني.. وجبَّت ما قبلها منذ «30 يونيو 1989م»، منذ عبارة «اذهب إلى القصر رئيساً وسأذهب إلى السجن حبيساً» التي أطلقها الترابي نفسه وهو منتشياً بأمل تغيير الحكم في عهد رئيس الوزراء المنتخب السيد الصادق المهدي. والصادق المهدي نفسه يفهم تماماً الفرق الكبير بين الترابي والشيخ الأستاذ علي عثمان محمد طه «حفظه اللَّه». والفرق ظاهر هو أن «الصادق» كان معارضاً شرساً وقائداً أعلى لمليشيا «جيش الأمة» التي كانت تحارب القوات الحكومية بشعار.. استرداد الديمقراطية.. كان هذا في العقد الأول لحكومة البشير الذي انتهى بقرارات الرابع من رمضان.
> أما بعد ذلك، فإن السيد الصادق لم يسعه أن يستمر في الشراسة والتمرد، فقد عاد من خلال اتفاق نداء الوطن في جيبوتي.. عاد ووجد زعيم الحركة الإسلامية الحاكمة هو الشيخ علي عثمان الأجدر بالتكريم.
> الترابي عام «1964م» اعتلى قيادة الحركة الإسلامية بعد أن أودع زعيمها الراحل الرشيد الطاهر بكر رئيس الوزراء الأسبق السجن، بتهمة الضلوع في انقلاب على نظام عبود العسكري.. وقد ثبت في قيادة الإسلاميين بانتخابات هو يعلم تماماً حسب إفادة البروفيسور جعفر شيخ إدريس إنه غير صحيح.. وأن هناك من جاء إليه باكياً ومعترفاً بذلك. هذه واحدة.
> بعد ذلك، كان الترابي ينشط بقوة لإسقاط حكم عبود الذي استلمه من عبد اللَّه خليل برضاء ومباركة «السيدين» علي الميرغني وعبد الرحمن المهدي. وكانت كل القراءات السياسية تقول إن الإسلاميين لن يستفيدوا من إسقاط الحكم المُهدَى لعبود في «17 نوفمبر 1958م»، وإنما استفادتهم من الحكم نفسه. وبالفعل كان المستفيد من ذلك هم الشيوعيون، وفي هذا تفاصيل طويلة ومملَّة.
> بعد ذلك جاءت مايو وأسقطتها الشيوعية بعد أن طردهم نميري شر طردة، لكنه عاد ظافراً في يوم العودة الشهير وبعد خمسة أعوام شهدت فترتها اتفاقية أديس أبابا مارس «1972م»، وانقلاب المقدم حسن حسين عثمان «1/9/1975م».. راح الإسلاميون بقيادة الترابي للمشاركة في مقاومة الجبهة الوطنية، والشيوعيون من بعيد يراقبون القوى التي يسمونها «القوى الرجعية».. وينتظرون إسقاط نميري.. ويستفيدون مما تبقى لهم من موالين مفترضين داخل الجيش لإعادة إنتاج انقلاب «19 يوليو 1971م».
> وكان الأفضل والذي يُستحق فيه التكريم أن يوالي الترابي نميري بعد العودة في «22 يوليو 1971م» ويشد من أزره أثناء مفاوضات قضية الجنوب بين ابن الدينكا أبيل ألير والمتمردين.. بدلاً من الانخراط في مصالحة «7/7/1977م»، بعد أن شبع منصور خالد من امتيازات «مايو». ومصالحة نميري عام «1971م» كانت أفضل للإسلاميين من «7/7/1977م».
> بعد ذلك تطبيق أو بالأحرى استكمال تطبيق الشريعة الإسلامية سبتمبر «1983م»، فبدلاً من أن يكون تطبيقها محصوراً في قوانين الأحوال الشخصية الزواج والطلاق والميراث فقد استكملته حكومة نميري.. وخرج الإسلاميون في مسيرة مليونية، واستكمال التطبيق كان قد بدأ في ولايتي كسلا والقضارف «محافظة كسلا» سابقاً بواسطة المحافظ اللواء عمر عبد القادر. لكن ماذا كان موقف الترابي ومحمود محمد طه من هذا الاستكمال؟!.
> في الانتفاضة جرت انتخابات، وكان ينافس مرشح أنصار السُنة الجنوبي الشلكاوي الدكتور يوناس بول دي مانيال مرشح الشيوعيين عز الدين علي عامر ومرشح الإسلاميين اللواء الفاتح عبدون. ولم يسحب الترابي مرشحهم وفاز مرشح الشيوعيين ودخل البرلمان الذي لم يدخله الترابي طيلة حياته «أقصد برلمان الديمقراطيتين الثانية والثالثة». وكانت دائرة أنصار السُنة واحدة فقط وحزب الترابي له ترشيح في عشرات الدوائر. فالشيوعيون شاركوا في الحكم بقوة بعد سقوط عبود ودخل مرشحهم البرلمان عام «1986م» بعد أن شتت مرشح الترابي أصوات الإسلاميين وأنصار السُنة. إذن ما هي معايير التكريم؟!
> أرجو ألا تكون الانضمام للجنة «7 + 7». ثم ما هي الإسهامات الفكرية؟!