ضرب الصيرفي المصري أحمد العروسي عرض الحائط بردود الأفعال، التي قد تنتقده إذا سافر من القاهرة إلى إسرائيل بصحبة زوجته “آية”، في محاولة لإجراء فحوصات طبية يمكن من خلالها إعادة الأمل في إنجاب طفل من زوجته، فرغم مرور ما يربو عن خمسة عشر عاماً على زواجهما، ترددا خلالها على عدد ليس بالقليل من كبرى المستشفيات العالمية، إلا أنهما لم ييئسا من عدم تحقيق حلمهما، واستجابا في نهاية المطاف لمن نصحهما بالبحث عن ضالتهما في إسرائيل.
وبدأت قصة المحاسب المصري احمد العروسي وزوجته آية مع السفر للعلاج في إسرائيل بدأت منذ ما يزيد عن 3 سنوات، ورغم صعوبة القرار وما قد ينطوي عليه من تحسبات، إلا أن الزوجين المصريين قررا ركوب الصعب، غير مكترثين بأية عواقب. القصة التي يدور الحديث عنها جاءت على لسان عدد من الكوادر الطبية في مركز “شيبا” الطبي بمنطقة “تل هاشومير” في القدس الغربية، ووفقاً لما نشرته صحيفة “يديعوت احرونوت” العبرية على لسان هذه الكوادر، طاف احمد “61 عاماً”، وآية العروسي “45 عاماً” حول جميع المراكز الطبية والمستشفيات في مختلف دول العالم، وخلال خمسة عشر عاماً هي عمر زواجهما، ترددا على كبريات المراكز الطبية في مصر والأردن وتركيا وبريطانيا وأسبانيا وفرنسا وبلجيكا والولايات المتحدة، وبعد إجراء الفحوصات الطبية في هذه الجولات، حصل الزوجان على وعد من تلك المراكز، بإمكانية حمل الزوجة وإنجابها، إلا أن هذه الوعود تبخرت وتلاشت مع طول الوقت الذي قضاه الزوجان البائسان في هذه الرحلات.
التنازل عن المنصب
الزوجان – بحسب رواية الصحيفة الإسرائيلية مالا إلى تجريب حظهما في السفر لإسرائيل، وقرر الزوج احمد وهو أب لشابين من زوجته الأولى إلى التنازل عن منصبه الرفيع في أحد المصارف الحكومية الكبرى بالقاهرة، وطلب نقله إلى الأراضي الفلسطينية ليشغل منصب مدير فرع البنك هناك، ووفقاً لما نقلته “يديعوت احرونوت” عن الصيرفي المصري :” كان قراري بالتنازل عن منصبي الرفيع في المقر الرئيسي للبنك قراراً صعباً، فالمقارنة بين المنصبين غير متكافئة، إلا أن هدفي الخاص، وهو إنجاب أطفال من زوجتي آية كان اكبر من أي شيء، والغريب أن مجهولاً كان يهمس دائماً في أذني ويقول :” سيكون لك أولاد إذا ذهبت إلى الأرض المقدسة في القدس، افعل ما بوسعك لتصل إلى هناك!”.
القنصل المصري
فور وصولهما إلى الأراضي الفلسطينية، تسلم أحمد مهام منصبه الجديد مديراً لفرع البنك، غير انه أجرى اتصالاً هاتفياً في اليوم الذي تلا وصوله بالقنصل المصري في إسرائيل آنذاك ” نادر الأعسر”، وجاء الاتصال بعد أن علم الصيرفي احمد أن الأعسر يرتبط بعلاقات وطيدة مع الإسرائيليين، وعلى خلفية هذا الانطباع، طلب من القنصل المصري التدخل لمساعدته في تحقيق حلمه في الإنجاب من زوجته آية.
ولم يتردد القنصل المصري في خدمة الزوجين المصريين، فأجرى اتصالاً هاتفياً بالحاخام “فيرر”، مؤسس منظمة المساعدات الطبية، طالبا منه المساعدة ،فأبدى “فيرر” ترحيباً كبيراً وقال :” لن نتردد في مساعدة المصريين، فكما منحونا فرصة ترميم قبر “الحاخام ابوحصيرة” الكائن بمدينة دمنهور المصرية، سنمنحهم المساعدة الطبية اللازمة، ليكون عمل طيب مقابل عمل طيب”.
تعليمات الطبيب
وتلقى البروفيسور “شوقي دور” مدير مركز “شيبا” الطبي، صبيحة اليوم التالي اتصالاً هاتفياً من الحاخام “فيرر”، طلب فيه الأخير مساعدة زوجين مصريين “غير يهوديين”، يتوقان إلى تحقيق حلمهما في إنجاب طفل بعد أن ضاقت بهم السبل، وأضاف :” الزوجان المصريان حصلا على توصية من شخصية مصرية كبيرة تعمل في سفارة مصر بتل أبيب، أرجو تقديم يد العون والمساعدة للزوجين”.
وبعد إنهاء المكالمة أجرى البروفيسور الإسرائيلي اتصالاً هاتفياً بالصيرفي المصري، وحدد معه وزوجته موعداً للقاء، وبعد أول لقاء أجريت الفحوصات الطبية اللازمة، ثم عملية التخصيب الأولى، إلا أن الزوجة آية تجاهلت تعليمات الطبيب عندما استقلت الطائرة في زيارة لها إلى القاهرة، الأمر الذي افقدها الجنين، لكنها لم تفقد الأمل.
وفي حديثها مع يديعوت احرونوت قالت :”حاولتُ مرة أخرى، وفي نهاية المطاف نجحت المحاولة”، لكنها مرت بأزمة خطيرة قبل أن تضع حملها، ونقلها زوجها على أثرها إلى المركز الطبي وعن ذلك يقول :” في شهرها السادس أصيبت آية بحالة من التسمم فنقلتها إلى مركز “شيبا” الطبي، وهناك دخلت غرفة العناية المركزة، وحذر الجميع من إمكانية وفاتها ووفاة جنينها.
غير أن الطبيب المعالج قرر على الفور إجراء عملية ولادة قيصرية، وتمت العملية بنجاح، ووضعت آية توأمتين بلغ وزن كل واحدة منهما عند الولادة 900 جرام، وظلت آية في غرفة العناية المركزة لمدة عشرة أيام، فاقدة للوعي وتتأرجح حالتها بين الحياة والموت، بينما وُضعت التوأمتين في الحضّانة، ورويداً رويداً وصلت التوأمتان إلى وزنهما الطبيعي، كما استعادت آية صحتها”.
صداقة وطيدة
البروفيسور الإسرائيلي “شوقي دور” قال في حديثه مع صحيفة “يديعوت احرونوت” :” نمت صداقة وطيدة بيني وبين الصيرفي المصري احمد العروسي، زاد منها سؤاله الدائم عني، وخلال لقاءاتنا المتكررة سمعت منه كثيراً عن انطباعات المصريين عن إسرائيل وعن حماس على وجه التحديد، وقال أن حماس تشكل خطراً فادحاً على عملية السلام، كما سرد العديد من الحكايات عن قصة الحب، التي ربطت بينه وبين زوجته آية، فلم يخجل “احمد المسلم” من الاعتراف بحبه لزوجته ومشاركتها رغبة الإنجاب على الرغم من إنجابه لولدين من زوجته السابقة”.
الصحيفة العبرية أشارت إلى أن العروسي اصطحب زوجته والبروفيسور “شوقي دور” الصيف الماضي في رحلة لمدة تسعة أيام في القاهرة، ويقول دور عن ذلك :” اصطحبني احمد العروسي وزوجته إلى منزل أسرته بالقرب من مدينة الإسكندرية، وحال وصولنا إلى العاصمة المصرية، استقبلنا عدد كبير من أقاربه وأصدقائه في مطار القاهرة الدولي، وحرص احمد على تقديمي لأصدقائه على أنني طبيبه الإسرائيلي، دون أن يتردد في ذلك مرة واحدة، ولكن جد التوأمتين والد آية، الضابط المصري المتقاعد وحيد عودة “88 عاماً”، رفض لقائي، وعلمت من ابنته انه كان يحذرها كثيراً من زيارة إسرائيل، وبررت آية ذلك بأنه كان ضمن الضباط المصريين، الذين حاربوا إسرائيل في معركة 1948، ومازالت لديه رواسب من الماضي”.
ومنذ ما يربو عن 8 أشهر، وفي ساعة متأخرة من الليل، اتصل العروسي بالبروفيسور “شوقي دور”، ليبلغه بكلمات مبعثرة أنه لا يستطيع تحريك ساقيه، فضلاً عن فقدانه التركيز، فأبلغه البروفيسور بضرورة التوجه إلى اقرب مستشفى، وفي الصباح تلقى دور اتصالاً من آية زوجة العروسي قالت فيه أنها تقف مع زوجها عند بوابة مركز “شيبا” الطبي، وتطلب المساعدة السريعة، على الفور حمله أطباء المركز على نقالة، وبفحصه تبين أنه أصيب بجلطة في المخ، فأجريت له الإسعافات اللازمة، وأقام في المستشفى لمدة عدة أسابيع، ومازال الصيرفي المصري احمد العروسي يتردد مرتين كل أسبوع على مركز “شيبا” بالقدس الغربية، لتلقي العلاج اللازم بعد أن تعافى من الجلطة، وبات قادراً على تحريك قدمه والمشي عليها بحسب صحيفة يديعوت احرونوت.
العربية نت