* عدم إجادته لعزف العود الذي صاحبه في غناء رائعة الراحل محمد وردي التي كتب كلماتها رئيس جمهورية الحب إسحق الحلنقي (وسط الدايرة) لم ينقص من روعة أدائه البديع، فالمطرب المصري (ربع المعروف) الذي كان يسكب عصارة موهبته على شاشة قناة (دريم) شدني حد التصفيق المتواصل الذي لا يتناسب مع شخص يجلس أمام شاشة التلفاز، فمثل هذا التفاعل مكانه المسارح والقاعات.. تغنى الفنان الشاب بـ(وسط الدايرة) بتطريب عالٍ جداً، وبطريقة تهز عرش الملك الأسمر محمد منير، بينما يصعب على المطربين السودانيين الشباب الوصول إليها، وحلق بنا الفتى على جناحي حنجرته المحتشدة بعصافير النداوة والتطريب والطلاوة وهو يلون الشاشة وفضاءات المشاهدة عندما يردد :
خلي قلوبنا تطير.. وارحلي بينا فراشة حنينة بين زينات وعبير
ولما الخصلة تدور طربانة
بتبقى حرير في حرير
فرِّحي خلق الله واتّنّي يا شبه القمرة
وارقصي رُشِي عبيرك فينا وفتِّحي يا زهرة ..!
* سمع المغني المصري الشاب الأغنية عند محمد منير مع أنه ليس بصاحبها الأصلي، وحفظها عن ظهر قلب هو وغيره من الشباب العربي، ما دفعني لطرح سؤال مهم ينبغي أن نجد له إجابة شافية :
لماذا أضحت حنجرة الفنان المصري محمد منير موصلاً جيداً للأغنيات السودانية التي فشلت في الخروج من نفق المحلية.؟
* نجح الفنان الأسمر بامتياز في (وسط الدايرة)، وقلب موازين بورصة الكاسيت عندما طرح ألبوم (مساكن شعبية) للشاعر القامة الراحل محجوب شريف الذي حقق أعلى الأرقام في التوزيع والمبيع، وحفظ الجمهور العربي رائعة أحمد المصطفى (البعدو يحنن) عندما صدح بها (شادياً مغنيا).؟
* تتعدد وجهات النظر وتتباين الآراء حول أداء الفنان النوبي محمد منير لأغنياتنا في ظل تقوقع الأغنية السودانية في نفق المحلية وفشلها في التحليق في فضاءات الإقليمية.!!
* أرى حسب وجهة نظري الخاصة أن الإجابة على أي سؤال عن كيفية نجاح منير في التسويق للأغنيات السودانية عربياً عبر صوته الذي يسد الآفاق من مراكش للبحرين تنحصر في التالي :
* أولاً: جاذبية قوالب العرض الموسيقي، ويتضح ذلك جلياً في (البعدو يجنن) التي ضخ النغم في أوردتها، وشحنها بالموسيقى بشكل آسر جاذب لتلبس (حُلة فنية عصرية مواكبة) تشد الأذن وتُشبِع الوجدان، (فإن أضافت له هذه الأغنيات طعماً مختلفاً، فينبغي ألا نكابر ونعترف بأنه أضاف إليها بعداً جديداً) .!!
* ثانياً: يجب ألا نغفل حقيقة أن الكلمات التي يختارها منير من أغنياتنا رغم بساطتها إلا أنها تنفذ للأعماق دون أن تقف برهة للطرِق على أبواب الاستئذان، كما أن الألحان ليس فيها تقعر وتعقيد، بينما كل تركيز الفتى منصب في التوزيع والتنفيذ الموسيقي وذاك أمر للأسف الشديد لا يوليه مطربونا أدنى مساحة اهتمام .
* ثالثاً: ينبغي أيضاً ألا ننسى (الحضور المسرحي) والتفاعل مع الكلمات والإحساس العالي الذي يميز منير عن غيره من الفنانين، الأمر الذي أسهم بشكل كبير في خطف هذه الأغنيات لمساحة عريضة من الذيوع والانتشار، بالإضافة طبعاً إلى الثوابت المعروفة المتمثلة في جمال الصوت، والأداء الساحر (المخدوم)، والتعايش الكامل مع النص، والغوص في أغوار اللحن، والتحليق في فضاءات موسيقى الأغنية، وحالة الذوبان الصوفي التي يدخل فيها منير عندما يمسك بالمايكرفون مغنياً.!
* الذين يتحدثون عن رواج الأغنيات السودانية التي رددها منير ومن بعده فرقة ميامي الكويتية – التي كانت آخر أعمالها السودانية المصورة أغنية (المامبو السوداني) – يظنون أن معظم الفنانين السودانيين بإمكانهم تحقيق ذات الذيوع إذا تغنوا بتلك الأعمال ويغفلون حقيقة مهمة مفادها أن الصوت الجميل وحده لم يعد الناطق الرسمي باسم الانتشار .!
* قوالب العرض.. التنفيذ.. التوزيع الموسيقي.. حضور المغني.. اللغة البصرية التي تتحدث بها الأغنيات.. سهولة وعمق الكلمات.. عذوبة وجمال الألحان.. توفر مساحات مقدرة للبث عبر الشاشات الفضائية، وتكثيف عرض الأغنيات، وغيرها من العوامل تمثل وصفة النجاح والذيوع حتى تنتشر أغنياتنا في المحيط العربي، فالقصة يا سادتي ليست توافر عنصري نجاح أو ثلاثة، فغزو الأذن العربية وتحريك برك السكون الجامدة يحتاج لحزمة ممتدة ومتمددة من العناصر التي تشكل في نهاية المطاف سبيكة واحدة .!!
نفس أخير
* ترجو النجاة ولم تسلك مسالكها
إن السفينة لا تجري على اليبس
[/JUSTIFY]ضد التيار – صحيفة اليوم التالي