بالنسبة لــ(فرويد)، وبصفته واضعاً لركائز وأسس نظرية التحليل النفسي، فإن العُنف ربما ينجم عن الإحباطات المُجتمعية بصفة عامة، أو خيبة الأمل الناتجة عن الحرمان من تلبية رغبة حيوية، لكن كل تلك الإحباطات قد تنجم عنها أيضاً ردود أفعال متجهة إلى الذات كالميل إلى السلوك الانطوائي، أو النكوص نحو سلوكيات تعود إلى مراحل سابقة من العمر، أو إلحاق الأذى بالذات بكيفيات متفاوتة.
بطبيعة الحال، فإن شخصا تتلبسه هذه الحالة، سيكون عدائياً إزاء الموضوعات التي تم الحرمان منها، أو ذوات أخرى يعتقد أنها تسببت في هذا الحرمان، فيتحين الفرص لإفنائها أو إيذائها على أقل تقدير.
لا أعرف تفصيلاً ما دار في اجتماع الإليزيه أول أمس، والذي جمع الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند ورئيس وزارته مانويل فالس، ووزير الداخلية برنار كازنوف ووزيرة العدل كريستيان توبيرا بمسؤولي الأجهزة الأمنية، لكنني لا أتوقع أنهم سيأخذون في خططهم لمواجهة الإرهاب المحتمل أطيافاً مهمة من نظرية التحليل النفسي لـ(فرويد) آنفة الذكر.
الباحث عن تفاصيل سير الأخوين كواشي وشريكهما كوليبالي، وزوجته حياة بومدين المطلوبة الأولى لدى السلطات الفرنسية لا يمتلك إلا وأن يمتن لـ(فرويد)، فبعيداً عن الإدانة أو التأييد، وأنا في صف الإدانة – بالطبع، إذ لا أرى في الواقع أنه يمكننا أن ننصر ديننا الحنيف ورسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم، بالعنف والقتل والتهديد، خاصة وأن هذه العملية أزهقت بجانب أربعة فقط من رسامي كاركاتيرات (شارلي إيبدو) وهم (شارب كابو، لينسكي، وتينوس) أرواحاً بريئة أخرى لا في العير كانت ولا النفير.
على كلٍ، فإن السيرة المهنية المبذولة للصحيفة – ذات التوجهات اليسارية – منذ تأسيسها في العام 1970م لتخلف صحيفة “هارا كيري” الأسبوعية التي تم حظرها بسبب محتواها الذي اعتبرته السلطات الفرنسية حينئذ عدائياً للغاية، تقول: إنها دأبت ومنذ تأسيسها في استفزاز الجميع وعلى قدم المساواة، وإن رسامي الكاريكاتير والكُتّاب في الصحيفة يضعون نصب أعينهم الديانات الرئيسة في العالم والسياسيين والمشاهير، رافعين لواء حرية التعبير وساخرين مما يسمى باللياقة السياسية.
وبناءً عليه، فإن مسألة المعالجة الأمنية وهي ضرورية بالطبع لكنها، ما لم تستند إلى نظرية اجتماعية ونفسية تضطلع بتفسير ظاهرة تنامي العنف الذي، فإنها ربما فاقمت الأمر.
وبالعودة إلى سِير المعتدين، يتضح أنهم لم يستطيعوا الاندماج في المجتمع الفرنسي بشكل كافٍ، كانوا يعيشون ضمن سياقه العريض بأجسادهم فقط، لكنهم ظلوا كالمنفيين روحياً، وكأن أرواحهم كانت تتوق إلى الفناء والإفناء، وكأنهم كانوا ينتظرون مُبرراً ليفعلوا ذلك، فكانت (شارلي إيبدو).
[/JUSTIFY] عبد الجليل سليمانالحصة الأولى – صحيفة اليوم التالي