منى سلمان

ألحقوني .. حصّلوني

[ALIGN=CENTER]ألحقوني .. حصّلوني [/ALIGN] كانت (العافية) في طريق عودتها للبيت محملة بمشترواتها من سوق القرية .. سارت الهوينى تتمايل ذات اليمين وذات اليسار كـ (مفرمة الملوخية)، وهي تنوء بحملها وتجتهد في حفظ توازنها ببراعة بزّت بها حركات بنات الأكروبات الصينية، فقد كانت تتوج هامتها بـ قفة دقيق (الزرّيعة) بعد أن طحنته في طاحونة (ود الرضي)، وفي يسراها مجموعة أكياس جمعت فيها من دكّان التشاشة خلطة من بهارات الآبري، أما شقّها الأيمن فقد مال وانتكا بحمل كيس الخضار واللحم وقد برزت منه أعواد الملوخية ..
مالت إلى جانب الطريق مع منحنى اللفة التي تقود لبيتها في نهاية الزقاق، عندما ضربت الفرملة فجأة حتى لا تصطدم بـ (السرّة) القادمة في اندفاع من الجهة المعاكسة وقبل أن تتفوه بكلمة عاجلتها جارتها بـ:
هي يا العافية .. بركة اللاقيتك عشان ما تمشي تلومينا وتقولي فتْناك .. إتسرّعي دليّ خضارك في البيت وأبقي مارقة .. ورحكي النسوان ماشات لي (صفية بت النور) قالوا الدايم الله عمّة أولادا ماتت بالشرق ..
لم تسمح (العافية) لـ (السرّة) بمواصلة كلامها فقد قاطعتها في غضب شديد:
أريتك بي أب فرار اليشق راسك .. شرق شنو الدايراني أمشيهوا هسي ؟ ما شايفاني شايلة دقيق زرّيعتي يا دوب ماشة أكوجنو .. رمضان هلّا وأنا لسه ما عستا الآبري !
صمتت برهة لتلتقط أنفاسها ثم واصلت في تقريع (السرّة) دون جريرة ارتكبتها سوى نقلها لـ (العافية) خبر البكا في هذه الساعة الضيقة:
مكلّماني مالك علي ؟ الله بسألك .. هسي ما ارتكبتي فيني ظنب (ذنب) ؟ لو ما خشمك الخفيف ده .. أكان متى ما جات صفية راجعة بيتا .. أمشي أآجرا وأحلف صادقة أقول ليها يطرشني ما سمعتا بي خبر البكا إلا بعد نسوان الحلة الما فيهن فايدة ديل فاتنّي !!
إن شئت أخذ الجانب الإيجابي للمسألة، فيمكنك القول إن من أقوى مظاهر التعاضد والترابط الاجتماعي في القرية، هو سرعة الاستجابة لطارئ الخير أو الشر، الذي يخرج بالواحد من حضن القرية .. ولادة متعثرة استدعت حمل الحامل لأقرب مستشفى يصلح لاستقبال البني آدميين، حالة صحية متدهورة استدعت تدخل جراحي في مستشفيات البنادر، خبر بكا، سيرة عرس، ومناسبات زواج الاقربين الذين يقيمون خارج نطاق القرية .. كل تلك المناسبات الاجتماعية خيرها وشرها تستوجب سرعة (اللحاق) بصاحبها للمساندة والمؤازرة أو للمؤآجرة .. (لحقوني) و(لحقناهم) و( ما لحقتني ما بلحقا) أفعال مجاملة قروية كاملة الدسم.
أما من ينظر لتلك المجاملات بغير عين الرضا، فلا يرى فيها سوى (محقة) و(فراغ نسوان) و(قلة شغلة) وذلك بالنظر لأوقات الفراغ العريض وعدم الموضوع الذي يجثم على صدر الحراك الاجتماعي في القرية، ويترك الجميع .. رجال ونساء في حالة من التوق لحركة تغير تنعش الجو و(ويتعمل بيها موضوع) ..
كان (ابراهيم) من أكثر الحاملين لتلك النظرة السالبة ضد مجاملات (اللحوق)، وأشد الرافضين لتكأكؤ النساوين تحت ظلال النيم، وجلسات الشاي والجبنة وعواميد الأكل الدائرة تحت ظلال الزيزفون، كلما (رقد) لناس الحلة (عيان) في مستشفى المنطقة الاقليمي، لذلك أصدر فرمانا صارما يقضي بمنع نساء أسرته الصغيرة والممتدة من محاولة اللحاق بـ أي مريض يغادر القرية مستشفيا في مستشفيات البنادر حتى يعود بالسلامة أو يعود جثمانه محمولا على الأعناق ..
تقابل نساء أسرة (ابراهيم) ذلك الفرمان بالسخط في الظاهر لمنعهن من مجاملة الناس أسوة ببقية الحريم، ولكن (تحت تحت) فقد ارتاحن من تعب الجري والشلهتة بعد أن شال (ابراهيم) عنهن وش القباحة فصار عذرهن الجاهز لكل تقصير:
والله ابراهيم حالف علينا .. نسوي شنو ان نضمنا اتقلمنا وان سكتنا السكات غلب علينا !!
إلى أن (دخل الكلام الحوش) وسقط الرجل مريضا مما استدعى حجزه بـ قسم العناية المكثفة في مستشفى المدينة .. لم تجرؤ واحدة من الحريم على كسر الحظر والذهاب للمستشفى لمعاودة (ابراهيم) رغم خطورة حالته، بينما جلست زوجته (المسكينة) تبكي وتوصف لرفيقاتها:
يا أخواتي الكلام ده ما أعوج .. الراجل يموت بلا ما أعافيهو ؟!
بعد مشاورات وفتاوي واستعانة بفقة الضرورات، قرر رجال الأسرة السماح لزوجة (ابراهيم) بالذهاب معهم للمستشفى لزوم المعافاة والذي منّو، وهناك جلست في مسكنة تحت ظل النيمة الرامية بجوار عنبر العناية انتظارا لأخذ الاذن لها بالدخول عليه، بينما دخل شقيقه عليه وبعد (حق الله بق الله) و(اشوفك كيفن اصبحتا) .. نقل لـ (ابراهيم) خبر وجود زوجته بالخارج ورغبتها في الاطمئنان عليه ..
انتفض (ابراهيم) جالسا وكأنه لا يشكو من الحبّة وطارت عروقه عرق .. عرق وتشحطت عصيباته وقال في هيجان شديد:
علي الطلاق بالتلاتة .. تجي داخلة هنا إلا أمرق أفوت ليها المستشفى دي كلو كلو !!

لطائف – صحيفة حكايات
munasalman2@yahoo.com

‫10 تعليقات

  1. يابت سلمان قطعتي قلبي بالعنوان بتاعك ده
    أنا قلت بنتنا حصل ليها مكلاوه ربطت عمتي في بطني وشلتا عكازي وفتحت الموضوع ولقيتوا كلام نسوان لكن لغية الان عروق رقبتي واقفه عرق عرق 0
    يعطيكي العافيه وخلي عناوينك هاديه شويه عشان إنتي غاليه علينا

  2. سلمت يداك وربنا يعطيك العافية هذه هي صفت الشعب السوداني لكن نقول شنو لي ودابراهيم ؟؟؟:lool: 😉

  3. هكذا انتي دايما ام الرير كما عودتينا , كلماتك ووصفك علي الطلاق طالع من نبع الكيان القروي الذي آفاخـــــر بة دايما, صراااااااااااااحة انت مبدعة بحق , اتمني ان لا يجف مداد كلماتك , اوع ابو الريااان اكون حاااااااااااااالف برضو ,,,,,,,,,,,,,

  4. ههههههههههههههههههههه والله قصصك قصص انا ما قلت ليك انتي معلمه في القص والرص ده منى, يمين اتقول اتوحمو بيك علي ست ودع0
    لكن بيني وبينك مش ما في داعي لجرجرة المستشفيات دي والعـــــــــجب ان بقى فيها مبييت,تبقى حكايت المثل زاته( بشــــــــــتنه ورقـــــــــــــاد واطــــــــــــــــــه)0

  5. ان كل انسان يحتاج لمعاونة الاخرين ومافي واحد بعيش وحده في الحياة .. ولكن الناظر لمجاملات النسوان فاقت حد العرفان والمجاملات خشم بيوت عند النسوان فبداية بعمود الفطور للنفساء الذي يحوي مالذا وطاب وهاك ياكبد وهاك ياشية وهلمجرا الطلعتنا من المولد بلا حمص برة … يعني العمود دا كان اولى به سيد البيت الذي اخر مرة شافوا يوم كانوا بقولوا لحماتو دايرين صينية العريس …. وكذلك مجاملة النسوان في الاعراس التي للزوج تفك الرأس وتقد الجيب يعني تمشي مناسبة زواج بت عمتها أو خالتها بدون توب جديد! ولازم يكون احسن من توب سمية بت خالتها يعني هي اقل منها وهاك يا البوبار البجيب الشمار الحار بالليل والنهار ولازم تظهر بمظهر يلفت الانظار وإن كان على حساب ذلك الحمار عفوا الزوج وما يهم يجيب من وين يسرق ينهب لازم يجيب والحال عندنا يشير لكثرة اختلاسات المال العام الفيهو اخونا لي حلقومو عام وهذا ما بحلو يوم الناس لله قيام في شدة الزحام ولا بتنفعوا زوجته التي مافتئت عند تحقيق زوجها لماربها قولتها له إنت كدة … تمام تمام … كما ان بعض النساء صارت المجاملة دين رده وإلا ستجد العتاب والنبذ ووصف المتخلفة عن المجاملة بأقسى الالفاظ كحكاية عمتنا نفيسة الرقدوها في مستشفى سوبا واخذن نسوان الحي يزورنها وهي تحسب في سبحتها التي كان من الاجدى ان تذكر بيها الله ربها ظلت تحسب فلانة جاءت وفلانة جاءت وحسبت كل العقد الفريد من النسوان الطالباهن ولم تبقى غير سعدية التي ما معروف ظروف عدم مجيئها شنو …فجأءة دخل الطبيب واخذ ملف عمتنا نفيسة بعد عمل اللازم من الفحص للتأكد من شفاء حاجة نفيسة كتب على الملف بخروجها من المستشفى ليزف لها ذلك الخبر الذي كان يتوقع أن تطير من الفرح لتفارق الفراش الابيض فصرخت الطبيب من صرختها ما بها وايش الحصل للحاجة فقال ليها ليه يا حاجة ما عاوزة تخرجي من المستشفى ؟ فقالت ليهو عاوزني قبال ماتجي سعدية تسديني حقي ….إن المجاملة بهذا الفهم فبلاش منها واحسن نكبها في برميل الزبالة…..يامنى بت سلمان اوعى تكوني ما مشيتي لحاجة نفيسة !!! …..والموضوع طويل طول بعض ألسنة النساء وللحديث بقية مع الرجال إنصافا للنساء وإحقاقا للحق ….ولك مني تحية طيبة كلما كتب قلمك موضوعا ثر يثري وجداننا ويحرك دواخلنا للتفاعل معك .

  6. أمونة أنت رائعة بجد هذه لوحة ليست قصة ويبدو لي أنك فيك نفحة من ناس الشمالية في التصوير الإبداعي في أغانيهم كمان إنت صراحة وضعتي صورة مش كلمات صورة مجسمة كأني بها أمام عينيا ومساسقة الحريم في المستشفيات وبيوت الأتراح والأفراح غالبا لأن الأتراح المشاركة فيها عندنا كسر رقبة لكن الفرح أهو مش حالك يمكن يكون عندك عذر لكن الأتراح وما يتعلق بها من طقوس لليلة جاسمة في صدورنا حتى عند عودتنا للإجازات ينقضي نصف الإجازة في السفريات للفاتحة التي مر عليها عامان أو أكثر ولا ينسى أحد أنك ما جيت ليه آمل أن تسعفنا الحياة وإيقاعها السريع بتغيير جزء ولو بسيط من هذه الطقوس المكبلة للواحد بعدين قولي ما شاء الله كتلتي حاجة العافية كتلة .

  7. الاخت منى سلمان بنت السودان جهجهتى النسوان لاكن يستاهلن.
    دوما سعيد بكتاباتك لانى وهذه فخر واعتزاز بك وبكتاباتك لانى اشتم فيها عبق و ريحه عرس الزين دومه ود حامد سراج كاتبنا المرحوم الطيب صالح فهنيئا لكى ذلك.
    دوما اسعد بكتاباتك……………..

  8. يا الكبرتوك البنات فاتوك . الليله وين يا بت سلمان طالبنك يوم . لكن ما مشكله ما فاتوك بى جديد .

  9. لا شك ان القصص التي ذكرت ذات مغزي بعيد وتحمل في طياتها الكثير وهي لا شك تحمل اكثر من تأويل يعني سياسة تمشي اجتماعيات تمشي ولكن في ما اظن والله اعلم انو بت سليمان ليها فهم بعيد وان شاء الله ما نكون ظننا في محلوا وفي الختام لك التحية ومزيد من التألق والابداع