لعلّ مروانة كانت تحتاج إلى فاجعة كبيرة تمنحها فرصة إهداء أغنية إلى آلهة الحزن تليق بحناجر أبنائها، وقلوبهم المولعة بقصص العشق المفضي إلى الموت.. فاستجابت الحياة لأمنيتها.
يُحكى أنّه ذاع صيت جمال إحدى الفلّاحات حتّى تجاوز حدود قريتها، فتقدّم لخطبتها أحد الباشاغات، لكنّها رفضته لأنها كانت تحبّ ابن عمّها. عندما علم الباشاغا بزواجها، استشاط غيظًا ولم يغفر لها أن تفضّل عليه راعيًا. فدبّر مكيدة لزوجها وقتله. كانت حاملًا، فانتظر أن تضع مولودها، وتُنهي عدّتها، ثمّ عاود طلبها للزواج. وكانت قد أطلقت اسم زوجها على مولودها فردّت عليه «إن كنتَ أخذتَ مني عيّاش الأوّل فإنّي نذرت حياتي لعيّاش الثاني»، فازداد حقده، وخيّرها بين أن تتزوّجه أو يقتل وليدها، فأجابته بأنها لن تكون له مهما فعل.
ذات يوم، عادت من الحقل فلم تجد رضيعها، وبعد أن أعياها البحث، هرعت إلى المقبرة، فرأت ترابًا طريًا لقبرٍ صغير، فأدركت أنه قبر ابنها، وراحت تنوح عند القبر و«تعدّد» بالشاويّة بما يشبه الغناء «آااعيّاش يا ممّي». فأقبل الناس عند سماعها تنادي «يا عيّاش يا ابني» يسألون ما الخطب، وما استطاعوا العودة بها، فلقد لزمت القبر الصغير وظلت تغنّي حتّى لحقت بوليدها وزوجها. ففي مروانة، يُفتدى الراحلون بالغناء حتّى اللحاق بهم. ذلك أن لا وسط ولا اعتدال في طباع أبنائها، إنهم يمارسون كلّ شيء بلا رحمة.
” الأسود يليق بك ”