حين كنا صغارا على مقاعد الدراسة.. حدثونا في مادة التاريخ عن ملك عظيم ونبيل من بني جلدتنا.. قامت على يديه حضارة مجيدة.. وبنى أهرامات شامخة ظلت على مر التاريخ شاهدا على علو شأنه وعصر النهضة الذي تزامن مع حكمه.. قالوا لنا إن اسمه (تهارقا).. وظللنا نتداول اسمه كذلك طوال العمر.. حتى سنحت لي فرصة ذهبية وأنا أتلقى دعوة كريمة من بعض أحفاده من الشباب الرائعين الطموحين المبدعين لحضور الاحتفال البهيج المقام على شرف جائزة (تهارقا) السودانية الدولية للسينما.!
ولم تقتصر خصوصية ذلك يوما في حياتي على تعديل ذلك الخطأ التاريخي القديم. حيث تعرفت على الاسم الصحيح لذلك الملك الشهير.. ولكني تعرفت على السينما السودانية التي لم أحلم بها يوما.. والتي أراهن على أنها لم تخطر ببال الكثيرين منكم.
سينما حقيقية.. نظيفة.. ومصنوعة باتقان وفن وجاذبية، عميقة المضامين.. راقية الأسلوب والمحتوى.. نقية الصوت والصورة.. زاهية الألوان.. يؤدى أدوارها ممثلون موهوبون وتلقائيون دون تكليف أو مبالغة غير مقنعة.. سينما محبوكة الدراما.. متماسكة السيناريوهات.. اختيرت كل لوازمها بعناية وحب.. نعم.. لقد كان هؤلاء الشباب يصنعون تلك الأفلام القصيرة بحب.. وموهبة فطرية صقلتها الرغبة الأكيدة في اللحاق بركب الآخرين المتقدمين من صناع (الفن السابع) المعروف لدينا بالسينما.
كان هذا هو الموسم الثاني للجائزة.. وكنت أعض أصابع الندم لأني لم أكن حضورا في الموسم الأول رغم احتشاد ذلك الجمهور الكبير الذي يشير بوضوح إلى شهرة الجائزة وذيوع صيتها بين المهتمين..
هؤلاء اليافعون المبدعون البواسل.. بذلوا جهودا ذاتية جبارة حتى يخرج هذا المهرجان على تلك الصورة البديعة من التنظيم والأناقة.. وأعانتهم على ذلك جهات راعية أشهد لها باتساع الأفق كونها آمنت بهذه الفكرة الجديدة التي تحسب مغامرة ضمن المغامرات في مجتمعنا.
لقد استحق (مركز الفيصل الثقافي) رفع القبعات كونه احتوى هؤلاء الشباب طيلة تلك المدة حتى اشتد عودهم.. والشكر موصول لشركة (اندومي) التي جعلت المساهمة معهم ضمن برامجها للمسؤولية الاجتماعية وراهنت عليهم وكسبت الرهان.
أما وزارة الثقافة بقيادة الأستاذ (الطيب حسن بدوي) فيحمد لهم ما قدموه من رعاية وتشريف رغم تأخر الشباب في الاستعانة بهم وهو الخطأ الذي أحسبهم سيحرصون على تلافيه العام القادم بإذن الله.
إن الحديث وإن طال لن يشرح واقع الحال.. لذا أدعوكم للاجتهاد في مشاهدة الأعمال التي شاركت في الجائزة بمجالاتها الثلاثة (الأفلام القصيرة- برامج اليوتيوب والتصوير الفوتغرافي)..ولا يسمح المجال باستعراض أسماء الأعمال وترتيبها، كما أنها تستحق جميعها المشاهدة وأراهنكم على أن إحساسا رائعا بالزهو والمتعة والاحترام سينتابكم ويدفعكم لاتخاذ قرار حاسم بمؤازرة هؤلاء الشباب حتى يظل (تهارقا) ملكا لا يشبه سوى نفسه.. يصنع للسودان الحضارات حيا وميتا.. ويساهم في بناء التاريخ.. والمستقبل.
تلويح:
أعزائي.. أشد على أياديكم فردا فردا.. بدءً بمصطفى النعيم.. مرورا بمحمد إبراهيم.. وانتهاءً بالطفلة الموهوبة رحيل أنور الحاصلة على جائزة أفضل ممثلة.
اليوم التالي