لمعت في رأسي تلك الحكاية الواردة في الفقرة الأخيرة من حديث البخاري عن عبد الله بن هشام قال: حين قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه لرسول الله صلى الله عليه وسلم: “فإنه الآن والله لأنت أحب إلي من نفسي! فرد عليه النبي صلى الله عليه وسلم قائلاً: “الآن يا عمر…!”
ولأن الحكايات القديمة لا تُغادر أحشاء الذاكرة إلى سطحها دونما سبب، فإن تصريحات (د.تاج السر مصطفى) رئيس لجنة تقويم وتقييم مشروع الجزيرة التي أدلى بها إلى الزميلة الصيحة (ضمن حوار)، هي التي صعدت بها إلى أعلى ذاكرتي الموّارة والفوّارة بأمور كثيرة.
الآن يا تاج السر، وبعد أن انمحق الزرع واضمحل الضرع وجفّ الثمر وغادر القمر.. الآن تعترفون (ومشكورين) – حتى وإن جئتم متأخرين بأن مشروع الجزيرة تم نهبه من قبل جهات رسمية و(آخرين)، استولوا على تراخيص أصوله وصفّوا السكة حديد والهندسة الزراعية وملّكوا المحالج للعاملين متجاوزين قانون المشروع للعام (2005م). (8) آلاف منزل، لم يتبق منها غير (2158)، و(3577) عاملاً لم يبق منهم إلا (75) فقط.
الآن فقط يا (تاج السر ولجنته)، عرفتم أن ما حدث للبنية التحتية لأحد أكبر المشروعات الزراعية في أفريقيا (أمر كارثي)، على حد وصفكم!!
كل السودانيين، كانوا يعرفون ما حلّ بالمشروع العريق، وكلهم بكوه بدموعٍ حارقة، وكلهم أشاروا بطريقة أو أخرى إلى الدمار والخراب المديدين اللذين حاقا به وحلا عليه.
جهة واحدة هي التي ظلت تنكر هذه الواقعة بالمداورة أحياناً وبالالتفاف أحايين وبالإنكار في الغالب، لكنها عادت إلى رشدها الآن واعترفت، وأي اعتراف هذا؟ غير أنه يبدو للمتأمل محض (رشات) للرماد على العيون، محض إعماء جديد.
لن يكون لهذا الاعتراف قيمة ما لم تقدم الجهات التي نهبت أصول المشروع وتصرفت فيها إلى المُحاكمة، هذه الجهات هي (جهات رسمية وآخرون) – بحسب رئيس اللجنة – وهذا التوصيف يعني أن لجنة تاج السر تعرف (الجهات والآخرين)، وبالتالي فعليها تدوين بلاغات ضدهم، وإلاّ فلن تفيد تصريحاتهم في شيء وتظل محض حبر على ورق.
محزن أن يؤول مشروع الجزيرة إلى (خرابة)، محزن أن لا يحاسب أحد ممن دمروه ونهبوا أصوله واقتعلوا زرعة، ومحزن أن نعرف الفاعلين ونعجز عن ملاحقتهم واسترداد أموال هذا الشعب العظيم من قبضتهم الآثمة.
[/JUSTIFY] عبد الجليل سليمانالحصة الأولى – صحيفة اليوم التالي