«قارئة الفنجان» قصيدة معروفة لشاعر النسوان الراحل نزار قباني، تغنى بها عبدالحليم حافظ، (كان بعض النقاد يسمون قباني «شاعر المرأة» وهي في تقديري تسمية سخيفة، تماما مثل «الأدب النسائي»، فهل هناك «أدب رجالي» وآخر «صبياني»؟): قالت والخوف بعينيها تتأمَّلُ فنجاني المقلوب / قالت: يا ولدي.. لا تَحزَن / فالحُبُّ عَليكَ هوَ المكتوب / قد ماتَ شهيداً يا ولدي / من ماتَ فداءً للمحبوب / فنجانك دنيا مرعبةٌ / وحياتُكَ أسفارٌ وحروب. وقبل أيام تلقيت رسالة من قارئة تعمل في ما أذكر في الخرطوم في مجال المحاسبة، وربما لاحظ القراء أنني لست ميالا للحديث والكتابة عن الرسائل التي أتلقاها منهم، وجعلت من هذه القارئة التي لا يحضرني اسمها استثناء! لماذا؟ لأنها مدققة حسابات، وهذه الفئة من البشر «دمها تقيل» وبالتالي فعندما تجد شخصا منتميا إليها يهتم بالمواد الطريفة فإنه جدير بالاحتفاء والتقدير. وأقول إن جماعة الحسابات «دمهم تقيل» فقط بمعنى أنهم مصدر نكد وجزع لمن يعملون معهم، فهم من يكتشفون الاختلاسات ويقومون بالخصم من الرواتب وضبط تجاوزات الميزانيات.
ما علينا.. تلقيت منها النص الخاص بالقرن الحادي والعشرين لقارئة الفنجان وفحواه ما يلي (ومعذرة يا نزار إذا جاءت القصيدة التايوانية مكسورة أو عرجاء): نظرت والخوف بعينيها تتأمل راتبي المحسوب / قالت لا تحزن يا ولدي فالفقر عليك هو المكتوب / ستطير رواتبك سريعاً فالجيب عليل مثقوب / وسيقرع بابك بقال لتدفع ما هو مطلوب / وستجلدك فواتير الجوال، فتدرك أن الموبايل «ميكروب»/ ستخونك كل المأكولات ويبقى الفول هو المحبوب / فـ«اللحمة» صارت أحلاماً وحياتك صارت بالمقلوب. وسأكتفي بهذا القدر من الشعر التايواني لأنها تذكرني بما عندي من ملابس تايوانية، ولكن القصيدة المحورة تلفت الانتباه إلى أمور مستجدة زادتنا ضغثا على إبالة.. يعني جعلت حالنا يمشي من سيء إلى أسوأ.. الراتب كلما ارتفع انكمش!! صح؟ تنال ترقية او علاوة ولكن أوضاعك المالية تصبح أزفت، وفي تقديري لن يصبح حالنا عال العال، ما لم نتخلص من الهاتف الجوال، فبظهور الموبايل صار حالنا المالي «مايل»، صرنا نتهاتف ونتخاطب بلا قيود، على حساب دخلنا المحدود، وهناك الرسائل القصيرة، فصرنا ننفق على الكلام أكثر مما ننفق على الطعام، وبالإمكان استخدام الجوال لاستقبال الإيميل، وعرض الملفات والتحميل والتنزيل. ورجاء لا تقل لي: بارك الله في الواتساب والفايبر والتانغو، فهي طفرات تكنولوجية من فصيلة البانقو، لأنها تؤدي إلى الادمان، وتسبب التوهان والسرحان، اللهم اضرب شبكات الموبايل بفيروس، يحولها إلى فتافيت كرز المكبوس، واجعل نوم من يسعى لإصلاحها كابوسا تلو كابوس، واجعل في مخدته ألف مليون دبوس، وطالما تلك الشبكات عاملة وجيوبنا خاوية خاملة، ألهمنا يا رب الصمت الجميل، حتى لا يصبح حالنا كحال أهل الفيل، فلا نتعرض للرمي بحجارة توزن بالكيلوبايت، وتأتينا الفواتير فنصيح: يا نهار مش فايت، التليفون الأرضي في متناول الأيدي، ولكنه لم يعد يجدي، فطالما الجوال موجود، فمصير التليفون الأرضي السوس والدود، ابن آدم لا يحفظ الجميل، فتلك الهواتف ظلت تخدمنا جيلا بعد جيل، وعلى مدى عشرات السنين، لم تكف عن الرنين، وها هي اليوم مصابة بالصمم والخرس، شاحبة وكأنها تعاني من التهاب الضرس.
فعلا «آخر الزمن»، ففيه غرائب ومحن، أعجبها انه صارت للكلام تسعيرة، وقد يصبح ضرورة أن يكون للسان الثرثار جبيرة. ونسأله تعالى أن يعطي الواتساب، تذكرة ذهاب بدون إياب، حتى نستطيع أن نأخذ ونعطي مع عيالنا لنعرف حالهم ويعرفوا حالنا.
[/JUSTIFY]
جعفر عباس
[email]jafabbas19@gmail.com[/email]