الرئيس في الحكومة دائما علي حق

الرئيس في الحكومة دائما علي حق
اتاح لي عملي بديوان المراجع العام من 1/12/1960 ان اقوم بزيارة عدد كبير من المدن فقد سافرت مع اتيام المراجعة جنوبا وغربا وشرقا وشمالا عملت في واو ورمبيك والتونج واويل وراجا وقوقريال وملكال وبور والبيبور والناصر وبانتيو والفاشر ونيالا والجنينة وكتم وزالنجي والضعين.. ولم اشعر وقتذاك باي عناء او تعب او شقاء لانني كنت شابا صغيرا اقل من العشرين ولاعب كرة قدم اشارك مع الفرق التي لعبت لها في التمارين والمباريات.. ونجري محطة كاملة من بري الي سوبا ومن عطبرة الي الدامر .. وسفرنا مع اتيام المراجعة كان بالطائرات والقطارات والعربات والفرق بيننا وقتذاك وبين من يعملون اليوم في ديوان المراجع العام ان يدنا كانت تمتد الي اي مكان للتاكد من سلامة صرف المال العام وحتي القصر الجمهوري دخلناه وقمنا بمراجعة النثرية التي كانت مخصصة للرئيس ابراهيم عبود، الله يرحمه وعملي في ديوان المراجع العام هو الذي جعلني لاعبا في فريق المريخ واو وساعدته في تحقيق الفوز علي الهلال واحرزت له هدفين في تلك المباراة.. وقد كان يومذاك طريفا ان يوقفوا المباراة بعد الهدف الثاني الذي احرزته وطلبوا مني ان اغادر الملعب لانني كما قالوا ليس من ابناء مدينة واو وفي ملكال لعبت لفريق الرابطة مع مهاجم المريخ السابق اسماعيل بخيت وفزنا علي فريق الاتحاد بتسعة اهداف احرزت منها ثلاثة واحرز اسماعيل بخيت اربعة ولعبت في نيالا لفريق الاسعاف ووجدت عندهم معاملة كريمة جدا لان المسئول عنهم كان عبد اللطيف شقيق المرحوم حاج حسن عثمان.. ومعه وجدت شابا ممتازا وراقيا من الكوارتة اسمه عمر كمبال .. واخر شقيق سكرتير الهلال السابق حمزة عثمان توفاه الله..
‭{‬ ومن خلال عملي كمراجع قمت في احدي مناطق السودان بمراجعة مخازن الاسمنت وعددها وجدناه يزيد عن العشرة موزعة في كل انحاء المدينة فأوكلوا لي امرها ووضعوا تحت تصرفي عربة كومر.. وجعلني ذلك اقضي اياما من التعب والعذاب.. وكدت اتعرض اكثر من مرة للدغة ثعبان واخيرا استطعت كشف التلاعب الكبير في الاسمنت.. فقدمت بذلك تقريرا للمفتش الذي كان مسئولا عنا واستغل الفرصة وقام بمساومة المسئول في تلك الجهة وحصل علي كل ما اراده فتمردنا عليه ورفضنا ان نواصل العمل فابرق الخرطوم وطلبوا منا العودة فعدنا.. وشكلوا لنا مجلس محاسبة ووقع علي كل واحد منا عقوبة .. وكانت عقوبتي اعادتي لكشف الحسابات بوزارة المالية والاقتصاد وجعلني ذلك اعمل في وزارة التربية والتعليم حيث وقع عليّ الاختيار لتولي امر مدرسة الخرطوم الثانوية العليا للبنات بالعمارات وكانت بها ثمانمائة طالبة في الداخلية والف طالبة خارجية وكنت مسئولا عن تجهيز الطعام لهن.. وكذلك الشاي في الصباح.. ومن الطالبات عندي يومذاك كانت الاستاذة سارة مكي حسن ابو التي تظهر في فضائية (النيل الازرق) مع المذيعة الرائعة رشا الرشيد في البرنامج الهادف الذي يتم تقديمه مرة كل اسبوع مساهمة في حل مشاكل المواطنين.. وسارة مكي حسن ابو جاءت الينا من كمبوني الابيض ومن الطالبات عندي كان سيدة علي كرار التي كتب عنها الشاعر المبدع عمر محمود خالد قصيدته الرائعة : يا سيدة لا .. فايتانا وين مستعجلة .. ما انت كملت الحلا وكانت طالبة معه بجامعة الخرطوم وسقطت في الامتحان وتقرر فصلها. وقد سالت عمر محمود خالد مرة كيف استقبل اهلها ما قاله عنها فقال لي انهم قاموا بدعوته الي منزلهم في العمارات وجلسوا كلهم امامه ليستمعوا اليه وهو يلقي عليهم القصيدة.. وسيدة علي كرار لها سبع اخوات واخ واحد تم اعدامه في احد الانقلابات العسكرية التي شارك فيها وكان برتبة عقيد ووالدها حسن علي كرار كان واليا للجزيرة.
‭{‬ بعد ان تم ابعادي من ديوان المراجع العام تألمت جدا لانه لم يكن في ذلك عدل او انصاف وذهبت وقابلت مساعد المراجع العام وقتها حسن زيادة .. وقمت بمعاتبته لانه كما قلت له ليس من المعقول ان اكشف تلاعبا ويستغنوا عن خدماتي بدلا عن الاشادة بي وتقديم حافز لي .. فقال لي انني يا ابني ارجو ان اقدم لك نصيحة غالية تعمل بها طوال حياتك وهي ان الرئيس في الحكومة دائما علي حق.

الكاتب : ميرغني ابوشنب
يوميات ابوشنب – صحيفة الدار

Exit mobile version