عندما كنت مدرسا للغة الإنجليزية بالمرحلة الثانوية في السودان، كان أحد طلابي يتمتع بمناعة وحصانة ضد تلك اللغة، مثلما تتمتع الجامعة العربية بحصانة ضد التطور ومناعة ضد الموت، على حد تعبير ظريف البحرين الأشهر يوسف الشيراوي رحمه الله، وعلى مدى سنتين متتاليتين لم أسمع له حسا خلال وجودي في حجرة الدراسة فأطلقت عليه اسم أبو الهول، لأنه كان يجلس واضعا رأسه فوق يديه، محملقا في الهواء من دون أن تبدر منه أي حركة، وكنت أحيانا أشك في أنه «مات» فأطرح عليه سؤالا، فيكتفي بهز رأسه بما معناه «حِل عني»، وكان ذلك يريحني، لأنني ما كنت أريد أن أكون سبب وفاته بتدريسه مادة تجعله يصاب بالشلل الإرادي، وقد حدث أن عرضت عليه أكثر من مرة أن أقدم له مساعدة خاصة كي يقوم بتطبيع العلاقات مع اللغة الإنجليزية ولكنه كان مقتنعا بأنه غير مبرمج لنطق كلمة إنجليزية واحدة، ثم عرفت أنه يمارس دور «أبو الهول» أيضا في دروس الفيزياء والكيمياء، وأن غاية الطموح عنده هي أن ينال شهادة «إكمال» المرحلة الثانوية، كي «يحِل» أبوه عنه.
وكان صمت «أبو الهول» السوداني من نحاس، لأنه لم يكسب من ورائه شيئا، بعكس صمت الخواجة البريطاني جيمس كران، عضو البرلمان المحافظ عن دائرة بيفرلي آند هولدرنيس، ويخيل إلي أن الرجل من أصل عربي أو يحمل جينات عربية، وربما كان اسمه الأصلي جمعة قرقعان، فمنذ أن دخل البرلمان في عام 2010، وهو يقول لنفسه في كل جلسة: لسانك حصانك، إن صنته صانك وإن لم تصنه رفسك!! يعني النائب المحترم كران لم يفتح فمه بكلمة واحدة في البرلمان طوال أكثر من ثلاث سنوات.. لم يشارك في نقاش أو يطرح سؤالا، لا منطوقا ولا مكتوبا، وحتى عندما يتطلب الأمر رفع الأيدي للتصويت فإن كران في غالب الأحوال يضع يديه في جيبيه، أو يتفادى الجلسات البرلمانية التي تتطلب التصويت، ومع هذا فإنه يتقاضى سنويا راتبا قدره 164 ألف إسترليني، وفوقه بدلات للمكاتب والمساعدين تبلغ أكثر من 170 ألف إسترليني، ولأن دائرته تقع خارج لندن حيث مقر البرلمان فإنه يتقاضى 56 ألف إسترليني نظير الإقامة في لندن خمسة أيام في الأسبوع، فضلا عن «نثريات» تبلغ 19 ألف إسترليني!! هل فهمتم لماذا أعتقد أن هذا الرجل برلماني عربي أو من أصل عربي؟.. يعني لا يحل ولا يربط ولا يهش ولا ينش، ويدخل جيبه نحو 600 ألف دولار سنويا!! أكيد تعرف نائبا في برلمان بلدك من الصنف القرقعاني الذي لا يصدر قرقعة أو فرقعة. وفي مجلس اللوردات البريطاني وهو أكبر تجمع للتنابلة على وجه الأرض، احتفل أحد اللوردات مؤخرا بمرور 32 سنة عليه في المجلس من دون أن يقول كلمة واحدة، رغم أنه لا يفوِّت جلسة،.. فهو حريص على حضور الجلسات وعندما يشتد النقاش يضع رأسه على كتفه الأيمن، و… خخخخ، ولم تصدر شكوى من أي من أعضاء المجلس من شخيره، لأن معظمهم يعانون من ضعف السمع أو الصمم التام!! وأعود إلى جيمس كران أو جمعة قرقعان فأقول إن جيناته العربية تتجلى أيضا في أنه يفعل ما يفعله البرلمانيون العرب، الذين يعرفون أن سبيلهم الوحيد للمحافظة على مقاعدهم، هو أن يكونوا ببغاوات يرددون الكلام المعلب الذي يتم توزيعه عليهم، وإذا كان الواحد منهم لا يتحلى بمواهب ببغاوية فإن المطلوب منه هو الصمت التام.. فالصمت البرلماني العربي من ذهب.. تصمت تكسب.. تتكلم «تذهب».
[/JUSTIFY]
جعفر عباس
[email]jafabbas19@gmail.com[/email]