إعلان استوقفني

[JUSTIFY]
إعلان استوقفني

وزَّعت صحيفة (الصيحة) إعلاناً مدفوع الأجر، خصَّت به صحيفتي (السوداني) و(اليوم التالي)، تعلن فيه للقراء توصّلها لاتفاق مع الكاتب حسن إسماعيل، يقضي باحتكار قلمه حصريَّاً على صفحتها الأخيرة. وأشار الإعلان أيضا للكاتب الساخر زكريا حامد، غير أن الإعلان تركز على حسن بصورة أوسع، ممتدحاً عبارته وجسارته وحسن تبصره، وزوايا نظره الصائلة على النص.
استوقفني الإعلان لأنه إعلان غير مسبوق، لكونه يروج لكاتبين عبر صحف أخرى.
وقد جرت العادة أن تقوم الصحيفة التي كسبت الكاتب بالترويج في صفحاتها وليس صفحات غيرها. هذا التقليد الجديد ينمُّ عن روح جديدة، إذ أنه يعترف للصحف الأخرى بالانتشار والذيوع وسقف التوزيع العالي ورقيَّاً وإلكترونيَّاً وتلك مأثرة جديرة بالاحتفاء، لأن الصحف أصبحت مثل الأحزاب السياسية لا تعترف إلا بنفسها، وتتسابق وتتشاكس وتستعصم بالنكران المبين، ويتآمر رؤساء تحريرها على بعضهم، مثلما يتآمر عبد الواحد على عرمان، أصبحت الصحيفة تجسيداً للأنا وليس للآخر بما يفقدها تماهي الآخرين!
غير أن هذا الإعلان جسَّر طريقاً ديمقراطياً جديداً، باعترافه الواضح وامتثاله للسيرورة الديمقراطية الراسخة في (التداول السلمي للتوزيع).
مسّ الإعلان شغافاً خاصاً بي وبرؤيتي وفراستي؛ فقد كتبت قبل عامين مقرِّظاً الكاتب حسن إسماعيل، وأعلنته كاتبي المفضل، فكما للقارئ كاتب يفضله، للكاتب أيضاً هذا الحق. وكم سرني هذا الإعلان لأنه انتصر لذوقي وذائقتي!
في الصحافة السودانية، الآن ينابيع طلقة تجبرك على الوقوف عندها، وتأمل جمالها، وهذه مناسبة لأعلن عن مفضل جديد أطالعه بحب وأحسن نحوه بأبوَّة حقيقية، فهو يجتذبني لنصوصه كما ينجذب الصوفي في الحضرة، يخلط لغة الأدب بتضاريس مفردات السياسة، يسقط الخيال على أرض قفر لا تقبل الأخيلة، فيخرج الحيوية من الميت. طالعت لعزمي عبد الرازق مفضلي الجديد نصَّاً بيلوغرافيَّاً عن فرح عقار، أقرب لسيرة المنسي، وأشبه بما كتبه بن سالم حميش في سيرة ابن خلدون، عندما اعترت ابن خلدون حالة سماها (سُكْر الافتتان)، فافتتن بغليان الدم في شرايينه وانتعاش خلاياه، وبروح الجمال أينما تجلى، وهبوب الأنسام على الروح الظمأى وكل الأجسام.
لم يكن عزمي بعيداً عن هذا التكنيك في نص فرح عقار، الذي تنقَّل بين فقراته تنقلاً روائياً عذوباً سرداً ومشهديةً.
قال النص إن فرح كاد أن يصبح والياً للنيل الأزرق (غير أن لحظة شكسبيرية غيرت الأمور). وقفت طويلاً أمام هذه اللحظة الشكسبيرية: ماذا كان يقصد عزمي؟ وهل لهذه اللحظة مرجعية واضحة تعرفها على نحو بائن ومتداول؟ نعم إنها لحظة قال هاملت: (to be or not to be) تأملوا استدعاء مفضلي الجديد.
أنتجع لنصوص عزمي لأنها مغايرة وعذوبة وثرَّة، وتعبِّر عن قلق الكتابة في شقِّها المشغول بالجمالية وشغفها بالتناص، عكس تلك النصوص ذات الأجندة الشخصية الواضحة التي يبتزُّ كاتبوها عبرها الوزراء والولاة والمعتمدين وأمناء الصناديق ومديري الوزارات، يكتبونها بلغة (حرشة) أشبه بالعجين الخشن المسحون (بالمحراكة)، وتتهافت أجندتهم في النص مثلما (تنقز) الضفادع في مياه الخريف!
أرجو ألا ينسيني عزمي، إلقاء تحية الصباح على يوسف حمد، وبهرام، ونازك شمام، ومحمد الخاتم؛ وعلى جبهة الإبداع الشابة في الصحافة السودانية.
[/JUSTIFY]

أقاصى الدنيا – محمد محمد خير
صحيفة السوداني

Exit mobile version