كان زمان الحب زمان الإنتظار/ القلب لامن يشوف البت يدق/ زي نوبة طار/ مافي زول فك الحبيب عكس الهوا/ أو ركب الزول البريدو والتونسية/ الحب وجود، الحب قضية.
بتلك الكلمات المعبرة، تحسر الشاعر الرقيق هاشم صديق علي (زمانهم) الجميل الذي كان فيه للحب قدسية ومعني، وقيمة وسلوك، وكان وقتها يعد (فك الحبيب عكس الهواء)، من الكبائر والآثام التي تسئ لأخلاق محبين وعشاق ذلك الزمن الجميل.
أقصي ما كان يفعله الحبيب المنكوب في من أحب، هو البكاء علي أطلال حبه وكتابة عشرات القصائد شعراً، يسكب فيها لوعته وعذابه ويلوم الحبيبة علي غدرها.
قد تتوه الكلمات في وقتنا الراهن على الشاعر هاشم صديق، ويحتار كيف يجد الأبيات المناسبة ليعبر بها عن(هذا الزمان) الذي صار فيه (فك الحبيب عكس الهواء)، أفضل حالاً بالطبع مقارنة عن ما يفعله (محبي اليومين ديل)، من الذين يستلون السكين ليهدون من أحبوا طعنة قاتلة و(يفكه عكس الحياة)، دون أن ترمش عيناه أو قلبه الذي هام به ذات يوم، أو (يكشح) برعونة (موية النار) ليحرق به خدودها التي تغنى بها ذات حب.
كثيرات هن ضحايا الحب والسكين وموية النار وتشوية السمعة بالقيل والقال، نمسك عن أسمائهن حتى لا نزيد الجراح جراحاً، كلهن إنتظمن في سلسة إغتيالات وتصفيات تمت بإسم الحب، وربما أخريات لم تطالهن الأضواء ولا قاعات المحاكم، فبقيت قصصهن تحت جنح الظلام تؤرخ للحب الذي تحولت فصوله إلي مقت وكراهية وإنتقام و(موت أحمر)، بدلاً عن وردة حمراء.
توجس ولقلق وعدم ثقة ونفور، مفردات مقيتة دخلت قاموس التعامل بين النساء والرجال، وقلوبهن أيضاً، وشيدت سداً منيعاً من الهواجس والتردد وعدم الأمان، (ديل بقوا منهم خوف)، عبارة رصدناها عشرات المرات من أفواه الفتيات والنساء بمناسبة ما يعرف بعيد الحب، في إشارة واضحة للإحجام عن الإحتفاء به، ولإنعدام الثقة و(لو مؤقتاً) من ردود أفعال غير متوقعة و(قاتلة)، لا تطيح بروح الحب فحسب، بل بروح المحبوب، لتضع نهاية مأساوية لقصص حب كانت تنبض بالجمال ذات يوم.
إستشاري الطب النفسي بمستشفي التجاني الماحي، الدكتور علي بلدو قال في إجابة له عن لماذا تتحول مشاعر الحب إلي كراهية وإنتقام وإيذاء قد يصل لدرجة القتل في بعض الأحيان؟!
قال: (يمثل الحب شعوراً نفسياً إنفعالياً يتفاوت في التعبير عنه ومآلاته من شخص لآخر حسب التكوين النفسي ونمط الشخصية، والشئ الغالب في الحب والتعبير عنه، هو المودة والرحمة والحنان والعطف وحب السعادة للطرف الآخر والتفاني، كأجمل صوره للإنسانية السوية.
قد يتحول الشعور بالحب وفقاً للدكتور علي بلدو، إلي شعور مدمر، وإلحاق الأذي بالطرف الآخر لعدم التناغم في العلاقة العاطفية، وهذا يكثر في المجتمعات التي يكثر بها مصطلح (غطي قدحك)، إذ يرتبط إبن العم مثلاً بإبنة عمه في طفولته أو شبابه الباكر، وحين تكبر الفتاة تتغير مشاعرها وخططها ومفاهيمها، ما يولد نوعا من العنف من الخطيب الأول، ويؤدي ذلك في النهاية لإرتكاب الجرائم كالقتل.
وقد تتولد لدي المحب شكوك حول الطرف الآخر، وغالبا ما تكون مرضية أو وسواسية، وهو ما يسمي بــ (الغيرة والشك المرضي)، الذي ربما قاد للقنل على طريقة: (ومن الحب ماقتل).
ويختتم بلدو بالقول: (يعاني مثل هذا الحبيب، من تناقض نفسي بين الحب والعنف، وقد يجد نفسه بعد إرتكاب الجريمة نادما أشد الندم للدرجة التي تجعله يفكر في الإنتحار وإيذاء نفسه.
تقرير:فائقة يس
صحيفة حكايات