حقيقة التهجير بين عربٍ ويهود

حقيقة التهجير بين عربٍ ويهود

استعادت إسرائيل الأحد الماضي، الموافق الثلاثين من شهر نوفمبر، وللمرّة الأولى في تاريخها ذكرى مناسبة «طرد اليهود من الدول العربية وإيران» ليتم اعتماد ذلك اليوم لإحيائه سنوياً بهذه المناسبة. ليست هذه آخر عجائب إسرائيل، ولكن الغريب هو تناسي الحق الأصيل للشعب الفلسطيني، الذي ما زال يتم إجباره على التهجير القسري دون أن يرمش للعالم جفن. كما أنّ إسرائيل بلغت من الجرأة بجعل هذا اليوم مناسبة إسرائيلية رسمية تُدشن لها الاحتفاليات وتُطلق في فعاليتها الخُطب والحديث عن الظلم والقهر والحقوق، وفوق ذلك المطالبة بالتعويضات وإعادة الأموال التي تركها اليهود في الدول العربية.
إذا كان هناك من بقية عقل ومنطق فيتوجب علينا السؤال من يحقّ له أن يعوّض ومن ذا الذي من حقه أن يتم تعويضه، وعلى هذا العالم الذي اختلط حقّه بباطله وعدله بظلمه أن يجيب.
للعنة الحكّام العرب على إسرائيل جهراً وودّها سرّاً مواقف وألف قصة بعيدة عن الأضواء، ولكنها منعكسة من وراء تلال اقتران هذه الكراهية لليهود بالعداء للولايات المتحدة الأمريكية. وهذا الاندماج ليس وليد التاريخ السياسي الحديث وإنّما نشأ من منطق سياسي أياً كانت فرضيته فهو يعني أن التحيّز ضد إحدى الدولتين هو تحيز ضد الأخرى ويدعم الاشتراك في الكراهية.
ومن هنا نجد أنّ البلدان العربية في موقف لا تُحسد عليه وهي تتبنى من موقعها الإسلامي الضعف في نصرة فلسطين، بينما العداء للسامية وكراهية اليهود لا تعود إلى المنطقة العربية وإنّما تعود في تناميها لآلاف السنين. ويمكن أن يُثار السؤال الجدلي: لماذا هرب اليهود من العالم المسيحي بعد المحرقة النازية في ثلاثينات القرن الماضي إلى العالم الإسلامي؟ ولماذا تنتقي إسرائيل الآن في علاقاتها الهروبية الدول المسيحية في المنطقة في هجرة عكسية؟. وإذا تأثرت الدول العربية في عمقها الاستراتيجي بعلاقات إسرائيل وتكوين حلف جديد مع دول الجوار مثل علاقتها مع دولة جنوب السودان، خاصة وأنّ الحلف الجديد لا يقابله أي حلف آخر يعمل على خلق توازن للقوى خاصة بعد أن أغلق السودان المراكز الثقافية الإيرانية وبدأت تتحسس مواقع أقدامها في المنطقة.
كان السودان الموحّد يتخذ موقفاً رسمياً أكثر صرامة مع إسرائيل، فهو من ضمن الدول القليلة التي تجرّم السماح لمواطنيها السفر إلى إسرائيل بنص صريح موجود في ختم جوازات السفر بما يفيد السماح لهم بالسفر لكل الدول ما عدا إسرائيل، فإنّه بعد انفصال الجنوب وجدتها إسرائيل سانحة ففتحت سفارتها في جوبا عاصمة دولة جنوب السودان.
علم إسرائيل الذي يرفرف في جوبا كشوكة زرعتها إسرائيل في خاصرة الوطن العربي ليست مصادفة ديبلوماسية، وإنّما الانتصار الذي حققته إسرائيل يتجاوز علاقاتها مع بعض الدول العربية الشقيقة والصديقة وأصحاب الدم الواحد والدين الواحد والأمة العربية، وهي نفس الدول التي تنادي بعودة «الحلم العربي» لدحر أعداء الفلسطينيين وأعدائهم.
لن يتوانى الإعلام العربي من اهتبال هذه السانحة ليعرب عن أنّ إحياء ذكرى تهجير اليهود من الدول العربية يجب أن يقابله ولو من سبيل اللباقة الديبلوماسية إحياء لذكرى تهجير الفلسطينيين. ولكن دعونا نعقد مقارنة بسيطة وهي أنّ القضية الفلسطينية وتهجير عرب 48 يتم ذكرها مراراً في وسائل الإعلام كما في بعض المحاضرات والندوات الثقافية، أمّا قصة تهجير اليهود فلن تحتاج لكل هذه الجلبة وستصعد مباشرة إلى الحلبة الدولية كما توعّد الرئيس الإسرائيلي رؤوفين ريفلين. المناداة بعودة الفلسطينيين لمن يحملون مشعلها هي عاطفية وهي عودة للأرض لزراعة الزيتون والزعتر وحنين لحمائم مدينة القدس. أمّا تعويض اليهود فهو تعويض عملي وواقعي بإعادة الأموال التي يمكن بها الإقامة في أي جزء من العالم حتى لو تمّ منحها لهم مثلما تم من قبل بوعد بلفور المشؤوم.
إنّ الفجيعة وخيبة الأمل ليست في هضم الحقوق وحدها وإنّما في من يستطيع أن يُسمِع صوته للعالم.

الكاتبة : منى عبد الفتاح

Exit mobile version