سأل سائل من خارج الوسط الصحفي، هذا السؤال موجهاً الى صاحبكم، وقد كان عن الصحافة والصحفيين، فقال: (لماذا يكره الصحفيون بعضهم البعض؟)
السؤال صادم ولا أساس له من الصحة، وقلت ذلك لمن طرح السؤال، لكنه لم يقتنع بما جاء على لساني، وقال لي انه متابع دقيق، ومطلع لا يكاد يفوته سطر من الصحافة السودانية، وانه يقرأ كل يوم ما يصدمه من سباب مقذع وشتائم متبادلة لا تليق بمن عمل في هذه المهنة لا تكاد تخلو منها صحيفة رياضية – وهذه اكثر سفوراً- أو صحيفة سياسية أو اجتماعية، تارة بالغمز واللمز، وتارة بالتصريح، وتارات بالتلميح خاصة في أبواب الاسرار والأخبار الغامضة، لذلك – يقول صديقنا المحتج- إن الانطباع السائد الآن في الأوساط العامة، هو أن الصحفيين هم اكثر الناس بغضاً لبعضهم البعض.
قلت لمحدثي إن ما ذهب اليه خطأ، وهو أمر لا يحدث إلا من قلةٍ قليلة، فالأغلبية الغالبة من أهل الصحافة، هم أصحاب رأي وفكر وقلم، لكن هذه المهنة قد يتسلل الى دهاليزها أو ساحاتها أو مطابخها بعض الحالمين بالشهرة، وقلة قليلة ممن يعانون من جنون العظمة، شأنها شأن كل مهنة.
ضربت مثلاً لصديقي الغاضب المحتج – بآخرين ينتمون الى مهن اخرى، مثل المحاماة، التي قد يظهر لك في ساحاتها محامٍ (مثير للجدل) يتناول القضايا الغريبة، ويتجه نحو محاكم الرأي العام من خلال الصحافة، قبل أن يتجه الى ساحات العدالة، وذلك فقط من أجل العرض والإستعراض.
وقلت لصديقي الغاضب إن مثل هذه الظواهر تجدها دائماً في المهن (الحرة) غير المقيدة بضوابط صارمة تحد من حركة وفعل وقول المنتسب اليها، لذلك لن تجد كل ضابطاً في اية قوة نظامية – مثلاً- مصاباً بمثل هذه الأمراض، ولن تجد معلماً أو طبيباً يلجأ الى أساليب الاستعراض العام على مسارح الحياة، وحتى إن وجد فإنه سيكون محدوداً جداً، في مجال ضيق لن يتأثر به عامة الناس.
أما بخصوص بروز هذه الظاهرة وسط الصحفيين، فان أسباب ذلك منطقية، رغم القلة التي تمارس الغمز واللمز والإشارات الجارحة لغرض أو مرض، واهم تلك الأسباب أن (النشاط المهني) للصحفي مقروء ومرصود ومتابع، لذلك يعتقد البعض ان هذا هو عالم الصحافة، رغم أنه براء من ذلك تماماً.
وهناك أسباب اخرى قد تكون شخصية أو مرضية أو حتى (منطقية) في بعض الأحيان عندما يرد كاتب على آخر هاجمه أو تجنى عليه دون أسباب مقنعة.
والأسباب الشخصية قد يكون من بينها اصابة أحد أصحاب الاقلام بداء الحسد الذي ينمو مع ارتفاع احساس الغيرة المهنية الزائدة والمضرة، مع ارتباط يكاد لا ينفك مع العجز عن النجاح، وتواثق بين ذلك الشخص والفشل كأنما هما وجهان لعملة واحدة..
والله المستعان
بعد ومسافة – آخر لحظة
[EMAIL]annashir@akhirlahza.sd[/EMAIL]