> لا توجد حالة تيه سياسي مثل التي يعيشها حزب الأمة القومي بقيادة السيد الصادق المهدي وهو يعيش خريف عمره وسط أوحال المعارضة في انتظار انتصار لا يأتي!! ويظل المهدي في دورانه التكراري الدائري مرتكزاً على محور الفراغ، يعيد صناعة مواقفه الخائبة دون أن يربح لنفسه أو لحزبه شيئاً، كمن يطارد خيوط الدخان ولا يقبض إلا الريح.
> ويقع حزب الأمة في دوامة السراب كل مرة، حين يختار مساوئ ومخازي المواقف المزرية بحزبه، ويصطف في الصفوف المندحرة دون أن يعي للمرة الألف أنه خالي الوفاض من حسن التقدير والتدبير لشأنه السياسي في الأوقات التي يتنكب فيها طريقه ويضل ضلالاً بعيداً ولا يهتدي إلى الطريق القويم الذي لا يفضي به إلى الخسران.
> في اختياراته السياسية الأخيرة وقع المهدي في أحضان الجبهة الثورية ولطخ ثيابه وتاريخه مرة أخرى بسخام المعارضة الخارجية، بأن يناهض السلطة الحاكمة من الخارج وقد جرَّب هو هذه الطريقة من قبل وأخفق فيها كلها، ولم يجد بداً في نهاية الأمر من مد يده صاغراً للمصالحة، فقد فعلها مع نظام مايو عندما سئم من الجبهة الوطنية ولم يبلغ حلفاءه، والتقى النميري وصالحه عام 1977م وانتهى به الأمر في الاتحاد الاشتراكي عضواً.
> واختار عندما أخفق التجمع الوطني الديمقراطي في اقتلاع الإنقاذ من جذورها، أن يصالح على طريقته في جيبوتي نهاية عقد التسعينيات، ويعود للبلاد تحفه الأمنيات والرغبة الملحة في المشاركة وتقاسم السلطة والتهام نصيبه من كعكتها، ولم يجد ما وعد به حقاً أو هكذا توهم، فقعد في منزلة بين المنزلتين.. لا هو معارض ولا موالٍ، يتعيش على مواقفه المتأرجحة، له لكل فعل تبرير ولكل خطة تفسير، فتسلخ حزبه شيعاً وأحزاباً ولم يبق إلا جلد على عظام هرمة لحزب تآكلت خلاياه ووهن عظمه واشتعل الرأس شيباً!!
> ومن أضاحيك الدهر.. أن الجبهة الثورية وقطاع الشمال وحركات دارفور، تلعب النرد بحزب الأمة القومي وقيادته، يرمون السيد الصادق على طاولة اللعب ويوظفون وجوده كيفما أرادوا ومتى شاءوا، ويضعونه على فترينة نشاطهم السياسي المعارض والمسلح، ويقدمونه أمامهم كرمح أشهب من قصب تتقاذفه رياح عدمية.. لا يصيب هدفاً ولا يملأ الكف والقلب بيقين نصر مغموس في سافية الزيف.
> ويترك السيد وراءه حزباً وكياناً كان في السابق يملأ الدنيا ويشغل الناس، وقد ضمر وتضاءل هذا الحزب بفعل الزمن وأفاعيل السيد نفسه حتى غدا حزباً قزماً دقيق البنية متهالك الجسد لا تحمله قدماه العجفاوان، يتنفس بمنخريه الراعفتين.. وحين يختار طريق المعارضة المسلحة وينسق مع الجبهة الثورية دون أن يكسب شيئاً.. يقدم شيكاً على بياض لقوى مسلحة لا ترى في كيان الأنصار إلا عدواً يجب تصفيته ومحوه، وفي عقيدة المهدية إلا تخلفاً سيتم كشطه، فهؤلاء هم عدو إستراتيجي للأنصار لا يتغيرون وإن تغير السيد الصادق وبعض أفراد أسرته.. وهم ينتظرون وأرجلهم مسمرة إلى ريش ركام من سحاب خلب!!
> نحن جميعاً مطالبون.. باسترجاع السيد الصادق المهدي من متاهته، رحمةً بتاريخ حزبه وكيان الأنصار، فليس من الحكمة أن نتركه للأنواء وحده تتلاعب به بغاث الطير، فمن كان يتصور أن الرجل الذي كان ذات يوم جليساً ومنافحاً ومنافساً وأنيساً لأزهري والمحجوب ويحيى الفضلي وعبد الماجد أبو حسبو والشيخ علي عبد الرحمن والترابي والنميري، صار اليوم رفيق وجليس وحليف عرمان ومناوي وعبد الواحد ومالك عقار من ليس لهم في السياسة شروى نقير!!
> ونحن مطالبون باسترداد الرجل رأفةً به ورحمةً بشيبته الممرغة في تراب معارضة يائسة وحاقدة وحانقة وعنصرية، تريد تقطيع السودان وتمزيق نسيجه وبث الفتنة بين أهله وإغراقه في بحر من الدماء.. فلنطلق حملةً لانتزاع الرجل من دغل التيه المتشابك، ليعود إلى مأمنه بعد العيش في لجة السراب!!
[/JUSTIFY]
أما قبل – الصادق الرزيقي
صحيفة الإنتباهة