الحروب العبثية …المسيرية ضد المسيرية

[JUSTIFY]
الحروب العبثية …المسيرية ضد المسيرية

أما لليل هذا الاقتتال القبلي الذي ظل دائراً في غربنا الحبيب ولايتي كردفان الكبرى ودارفور الكبرى لعشرات السنين من آخر، وإلى متى يستمر الأهل هناك يقاتلون بعضهم بعضاً ويلغون في دماء بعضهم بعضاً، فتروح جراء هذا العبث آلاف الأنفس العزيزة هدراً ولأتفه الأسباب، ألا يوجد بينهم أهل حكمة ورشاد يسترشد بهم، أم تراهم جميعاً مثل آل غزية اذا غوت قبيلتهم غووا كلهم، ألا يستحون ويخجلون من حالهم هذا حين يتأملون حال قبائل السودان الأخرى في الشمال والشرق والوسط، التي لم يحدث قط أن احتربت فيما بينها، فلماذا هم وحدهم من بين قبائل السودان الأخرى من يخوضون تلك الحروب المهلكة، ماهي هذه الاختلافات الخطيرة جداً والعصية على أي حل التي تبيح لهم قتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، هذا والله حال مؤسف وتعيس وبئيس لا مبرر له على الاطلاق …صحيح يمكن أن تقع اختلافات ويمكن أن تتقاطع مصالح ويمكن أن تحدث مظالم، ولكن كل هذا لا يبرر وقوع تلك الحروب الدامية مهما كان حجم الاختلاف والمظالم، فمثلها وربما أسوأ وأخطر منها يمكن أن يقع بين قبائل أخرى وفي مناطق أخرى من السودان، ولكنهم لا يخوضون من أجلها الحروب المميتة وانما يستعينون على حلها بالصبر والحكمة والحوار، أما عند أهلنا في الغرب فالأمر غير، إذ لا يطل صباح ولا تغرب شمس دون نزاع كارثي وقتالٍ دامٍ حتى أدمنت تلك الأصقاع الصراعات العبثية بنتائجها المدمرة، وكأنما اختلف أهلها وأبناؤها في كل شيء ولم يتفقوا إلا على افناء بعضهم ودمار أرضهم ولأتفه وأبسط الأسباب، يتقاتلون فيما بينهم حتى يخيل إليك أن هدفهم الذي أجمعوا عليه هو تخريب ديارهم بأيديهم وإلحاق الأذى والضرر بها، يموت الآلاف وينزف مئات الآلاف، ويجف الزرع والضرع وينتشر الهلع ويعم الحزن، ودورة القتال ما تزال دائرة، وكأنها دوري منافسات مثل دوري كرة القدم الذي تتنافس فيه الفرق الرياضية، اليوم القبيلة الفلانية ضد القبيلة العلانية، وغداً مباراة أخرى حامية الوطيس، وهكذا دواليك تستمر طاحونة العنف والموت بهذا الأسلوب العبثي بين القبائل فيما بينها، بل وهناك قتال بيني داخلي يدور بين خشوم بيوت القبيلة نفسها مثل هذا الأخير الدائر بين فرعي الزيود وآل عمران في قبيلة المسيرية الحمر…

ومما يزيد الأسى والأسف على هذا الحال، هو ضلوع بعض أبناء تلك القبائل المتعلمين والمثقفين والسياسيين ممن لم يراعوا في أهلهم ووطنهم الصغير إلاً ولا ذمة، فينخرطون في الصراع ويزيدون ناره حطباً من أجل عرض دنيوي رخيص وزائل، كما أن ذمة الحكومة ليست بريئة تماماًً مما يجري هناك، على الأقل لجهة تباطؤها وتقصيرها في أداء واجبها في منع وقوع هذه التفلتات قبل أن تتطور إلى نزاع دموي، فكل تلك النزاعات ما كان لها أن تفضي لما أحدثته من موت ودمار لو أن الحكومة سارعت للاضطلاع بمهمتها في هذا الخصوص ولم تتركها للقبائل لتأخذ ما تراه حقاً لها بيدها وبقوة السلاح وليس العرف والقانون، فغالباً ما تنشأ تلك القضايا صغيرة وبسيطة وفي متناول الحل، ولكن التغاضي عنها سهواً أو عمداً هو ما يضخمها لحد الانفجار، فهل تعتبر حكومات ولايات الغرب وفوقها الحكومة المركزية ومن قبلهم الفعاليات والنخب القبائلية بعد كل هذه العبر، أم أن طاحونة القتل والدمار ستستمر الى ما لا نهاية.؟..

[/JUSTIFY]

بشفافية – صحيفة التغيير
حيدر المكاشفي

Exit mobile version