في مطار أديس أبابا، رغم نقاط التدقيق الكثيرة نسبياً (أقل من تلك التي في مطارنا بكثير، بالطبع)، إلاّ أن الإجراءات تمضي بسرعة مذهلة، فتنحسر الصفوف الطويلة المتلوية بأفارقة وآسيويين وأوروبيين من عابرين ومقيمين. كل شيء في تلك البلاد يمضي بسرعة، وبينما نتراجع نحن على نسق (كل عام يرذلون)، بلغ معدل النمو الاقتصادي في إثيوبيا هذا العام (10.1%)، بحسب الرئيس (ملاتو تشومي)، الذي عزا هذا المعدل التنموي الكبير إلى المساهمات الكبيرة والمقدرة لقطاع السياحة والخطوط الجوية الإثيوبية.
وهنا مربط الفرس (السياحة والخطوط الجوية)، إذ وللأسف لا نملك خطوطاً جوية ولا مطارات مؤهلة، كما لا نملك وزارة للسياحة بالمعنى الحديث لهذا القطاع الاقتصادي الحيوي، فوزارة السياحية (التي هنا)، لن تؤدي وظيفتها بكفاءة إلا إذا خرجت عن النسق (التشريعي) الراهن وانفلتت من قبضته وفكت عقالها من مربطه، وهذا أمر مستحيل في الوقت الراهن، ولا داعي للشرح والتفصيل، فالأمور واضحة وجلية. لذلك فإن وزارة السياحة عاجزة عن ضخ الدماء في شرايين الاقتصاد الوطني كونها مكسورة الجناحين (جناح الطيران، وجناح الحريات الشخصية)، اللذين بدونهما لا يمكن أن تنهض حركة سياحية ذات جدوى اقتصادية وتنموية، وبالتالي، وطالما نحن عاجزون عن الامتثال لتلك المتطلبات السياحة الرئيسة، لكن ولطالما ظل بعضنا يعتقد أنها تتنافى وتتقاطع مع أعرافنا وتقاليدنا، فليس ثمة داعٍ لإنشاء وزارة لهذا القطاع الخدمي الحيوي، لأنها دون توفر تلك المتطلبات (التي يعرفها الجميع) ويديرون لها ظهورهم، لن تكون هنالك سياحة ذات مداخيل مؤثرة في التنمية الاقتصادية، وعليه فبدلاً من الصرف على هذه الناحية (صرفاً وزارياً)، فلماذا لا نكون واقعيين ونخفضها إلى (مؤسسة أو مفوضية).
السياحة في الجارة الشرقية تشهد نمواً مضطرداً، ويستوعب قطاع الخدمات الموازي لها أعداداً هائلة (جيوشاً) من العمال والموظفين والتقنيين، بل ساهمت السياحية في انعاش القطاعات الاقتصادية الأخرى كالصناعات المحلية وتسويق التراث الشعبي ونشر الثقافة الإثيوبية بين العالمين.
ولأن إدارة الدول ومواردها أمر يتطلب واقعية، ولا مجال فيه للأحلام و(الجعجعة الفارغة)، فإننا طالما ظللنا نشعر بالضعف والخوف والخشية على عاداتنا وتقاليدنا من غزو خارجي متوقع دوماً، بينما لا يخشى غيرنا ذلك لأنهم يثقون في صمود قيمهم وعاداتهم وتقاليدهم وأديانهم وثقافاتهم.
لذلك، فلنخفض وزراة السياحة إلى مفوضية (صغيرة ورشيقة) تستطيع أن تقدم خدمات سريعة وبكفاءة عالية لـ (الخواجات) المهتمين بالحضارة النوبية الذين يزوروننا بين الفينة والأخرى على متن خطوط جوية أجنبية، إذ أنهم يخشون (سودانير) إن وجدت، كما نخشى نحن غزوهم الثقافي.
[/JUSTIFY] عبد الجليل سليمانالحصة الأولى – صحيفة اليوم التالي