يقول العلماء ان المرأة تبكي (في المتوسط) 64 مرة في السنة، بينما يبكي الرجل نحو 17 مرة، ولكنني أعرف رجالا يتبجحون بأنهم لا يذكرون متى بكوا آخر مرة، أو بأن دموعهم لا تنزل قط، وكلما قابلت واحدا من هؤلاء تمنيت لو أستطيع تكتيفه وجلب فريق من ذوي العضلات يجلسون أمامه ليرغموه على تقطيع سبعين كيلو متر مربع من البصل الأحمر، الدموع ليست بالضرورة دليل ضعف، وعدم السيطرة على الدموع ليست في جميع الأوقات دليل رجولة وبطولة. فلو خطفتني عصابة من داعش في سوريا أو العراق، وهددت بقتلي لمت من فقدان السوائل (قبل ان يذبحوني)، ليس من التعرق بل من فرط هطول الدموع الرعدية. يوم مات صديقي ماهر عبدالله (الذي كان يقدم برنامج الشريعة والحياة في قناة الجزيرة) ظللت أبكي طوال يومين، وعلى مدى أسبوع كامل فشلت في أن أكتب كلمة واحدة في رثائه لأنني كلما كتبت اسمه على شاشة الكمبيوتر أطل منها بوجهه البشوش وابتسامته العذبة التي لم تكن تفارق وجهه أبدا، فغامت الرؤية عندي واستعدت الشريط: ألو أبو الجعافر.. ما رأيك ان تنضم إلينا في فندق الريتز كارلتون لتناول العشاء،.. معنا فلان وفلان وصديقك اللدود ماهر عبدالله؟.. آسف يا جماعة فالوقت قد تأخر والفندق بعيد عن بيتي،.. وبعد أربعين دقيقة: ألو جعفر.. ماهر مات في حادث مروري بعد مغادرته الفندق بقليل!! كنت أحسب ان حصتي من الدموع نفدت بعد رحيل صديقي الجميل صالح العزاز، أحد أطهر وأشرف أبناء المملكة العربية السعودية، ولكن الله لم يبخل علي بالدموع على مدى عدة أيام بعد رحيل ماهر الفجائي. ثم مات حبيب الملايين غازي القصيبي، ولم يحدث قط أن سمعت أو كتبت اسمه دون ان تنهمر دموعي.
المهم هو أنني لا أشعر بالحرج إذا نزلت دموعي لسبب مفرح أو محزن.. تنزل دموعي إذا أسدى إلي أحدهم صنيعا جميلا، أو إذا شاهدت الجياع على شاشات التلفزة سواء كانوا من دارفور او كوريا.. وتنزل دموعي إذا أحسست بأنني أسأت إلى أو ظلمت أحد عيالي، أو أنني عاجز عن مساعدة مريض أو طالب فقير. باختصار تبكيني المواقف الإنسانية ويبكيني حال الآخرين أكثر مما يبكيني حالي، بل لا أذكر قط أن دموعي طفرت لأنني مررت بظروف شخصية صعبة مثل فقدان العمل او المال، وحتى جحود الآخرين لا يبكيني، فكم من شخص وقفت معه بمساعدته في الحصول على عمل مثلا ثم لا أجد منه حتى شكرا، بل قد ينقلب عليّ!! ولكنني لا أصدق ما قاله العلماء عن ان النساء يبكين 64 مرة في السنة! في الشهر معقولة.
كان من أجمل المشاهد العائلية أن تجد أمي وحماتي (رحمهما الله) تشاهدان مسلسلا تلفزيونيا عربيا، فترى الدموع منهمرة من عيون الاثنتين لأن طاهر ضرب فراولة ولأن المعلم حنفي تزوج على عيوشة ولأن زيزي أصيبت بالشلل بعد حادث سير.. وكان السبيل الوحيد لإخراجهما من المزاج السوداوي هو ان تسأل الواحدة منهما عن «الحاصل»، وبعدها، وقعتك سودة، لأنك تحصل على تلخيص.. أي تلخيص؟ تحصل على عرض شامل للحلقات السابقة من المسلسل، وإذا أعانك الله على تحمل ذلك العرض الشفهي فإنك تكون قد وضعت حدا لمسلسل الدموع!
والشاهد هو ان الله زودنا بالدموع لحفظ العين من التلف ولحفظ القلب من الجفاف، فلا تمنعوا هطولها إذا فعلت ذلك من تلقاء نفسها وتذكروا ان إنزال الدموع لا يعني النواح والعويل.
جعفر عباس
[email]jafabbas19@gmail.com[/email]